مرحبا بقداسة البابا ولكن!!...

مرحبا بك يا سيادة الحبر الأعظم في رحلة حجك المبارك إلى أرضنا المقدسة التي ولد وعاش فيها وترعرع على ترابها السيد المسيح... مرحبا بك وأنت تسير على خطى السيد المسيح، يا خليفة المسيح على الأرض!!...
سمعناك وأنت تشيد بعلاقتك بالديانة اليهودية وبالشعب اليهودي الذي عانى من الظلم والاضطهاد في ظل أوروبا المسيحية وبالذات في ألمانيا النازية ولم نسمعك تشيد بعلاقتك مع الأديان الأخرى!!... وان كنا نفهم الواجب الإنساني والديني الذي يدفعك لاستنكار الظلم الذي لحق بالأبرياء من أبناء الشعب اليهودي بصفتك أكبر رمز مسيحي في العالم، إلا أننا لا نستطيع أن نفهمك وأنت تتجاهل تلك الملايين الأخرى من الشعوب البريئة التي عانت بالأمس القريب ولا زالت تعاني حتى هذا اليوم من الظلم والقهر والاحتلال والتي هي بأمس الحاجة للتعاطف معها واستنكار ما حل بها...
وان كنا لا نقبل لأحد أن يسيء إلى الديانة اليهودية إلا أننا وفي نفس الوقت لا نقبل بأي شكل من الأشكال أن يسيء أحد إلى سائر الأديان...
إننا وان كنا نتفهم شعورك مع ضحايا المحرقة الأبرياء من أبناء الشعب اليهودي ولكننا لا نستطيع أن نفهم صمتك عن تلك الملايين البريئة الكثيرة من ضحايا المحرقة ذاتها من أبناء الشعوب الأخرى بمن فيهم من أبناء جلدتك الألمان والبولنديين والروس والغجر والأطفال المعاقين، وأنت تعرفهم دون الحاجة إلى تسميتهم جميعا وتعدادهم كلهم...
كما وأننا لا نستطيع أن نفهم صمتك عن ضحايا المحارق الأخرى من الأرمن والكمبوديين والروانديين والجزائريين بالأمس البعيد، ومن العراقيين والسرلانكيين والفلسطينيين واللبنانيين في العهد القريب وغيرهم كثيرون...
إننا نتتبع خطواتك يا سيدي وأنت تسير على هدي السيد المسيح رسول المحبة والعدل والسلام معتقدين بأنك إنما جئت لتحمل رسالته العظيمة، رسالة المحبة والعدل والسلام لكل العالم، كما حملها السيد المسيح عندما قال: 'المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة'...
إننا يا سيدي نحن المؤمنين البسطاء نفهم رسالة السيد المسيح البسيطة في كلماتها والعميقة في معانيها بكل وضوح ودون أي التباس بأنها تعني السلام على الأرض لكل سكان الأرض والسلام للجميع وبدون تمييز ولكل الناس في هذا العالم بمن فيهم أبناء الشعب الفلسطيني، الواقع تحت الاحتلال والحصار في وطنه والقابع في مخيمات اللجوء في بلاد الشتات...
وهذه هي عظمة السيد المسيح!!...
بينما رأيناك وأنت تسير على أرضه وتتبع الطريق التي سار عليها، تختار من تختار، وتقفز عن شعب هذه الأرض، الذي عاش عليها أجيالا طويلة وقبل أن تتنصر أوروبا والتي لربما لولاها لما تنصرت أوروبا وأمريكا من بعدها... إننا نؤمن بكل جوارحنا يا سيدي بأن السيد المسيح إنما جاء على هذه الأرض من أجل الإنسانية المعذبة ليخفف من آلامها وعنائها ويحمل عنها أثقالها ليريحها... جاء ليقف معها وليس مع معذبيها... جاء ليأخذ بيدها وليس بيد مضطهديها... وكم نتمنى أن تفعل ذلك فهناك كثيرون بحاجة إلى أن تمسك بيدهم...
كم يحز في نفسي وأنا أرى رسالة المسيح غير متكاملة وأنت تتغاضى عن عذاب وآلام الآخرين... وان كنت لا أتوقع منك أن تحمل السوط لتطرد الباعة واللصوص من الهيكل كما فعل السيد المسيح إلا أنني وفي نفس الوقت لا أقبل أن تثبت أقدامهم...
إننا وان كنا نعتقد إنه يجب أن يطلق سراح الجندي المخطوف ليعود إلى أهله وبيته وعائلته وأن لا يعود إلى غزة إلا ضيفا زائرا وليس محتلا، إلا أننا وبكل تأكيد نعتقد أنه يجب كذلك أن يعود كل الأسرى الفلسطينيين المخطوفين إلى أمهاتهم اللواتي ينتظرن عودة أبنائهن تماما كما تنتظر والدة غلعاد شاليط عودة ابنها لأن العدل لا يتجزأ...
انك وان كنت لا تستطيع أن تزور قطاع غزة الجريح، ولربما لم يسمحوا لك بذلك، إلا أنني أستغرب صمتك عن أطفال غزة، ضحايا محرقة أخرى، وقد حملهم آباؤهم جثثا ممزقة... أطفال في عمر الورود وقعوا صرعى جراء عدوان غاشم... وصورهم الدامية لا تزال مطبوعة في الأذهان وماثلة للعيان... لم أسمع منك ولو كلمة استنكار صريحة وجريئة واحدة... إننا كنا نتوقع على الأقل أن نسمع منك صرخة ألم ووجع كانسان أولا وكرجل دين ثانية...
وان كان أطفال المحرقة يستحقون منك الصلاة على أرواحهم البريئة فان أطفال غزة الأبرياء لا يقلون استحقاقا من هذا... إننا لا نطلب منك شيئا ولا نتوقع منك شيئا... كل من نطلبه أن ترفع صوتك عاليا وأن ترفع صلواتك إلى رب السماء من أجلهم كرجل دين يخاف الله تعالى... وأن تقول كلمة حق دون خوف أو وجل في وجه قاتليهم...
وان كنت لا تستطيع أن تفعل ذلك لأسباب نحن نعلمها جيدا إلا أننا لا نستطيع أن نفهم تجاهلك لمعاناة أتباعك من المؤمنين الذين عاشوا مع آبائهم وأجدادهم على هذه الأرض المقدسة وحملوا رسالة المسيح بكل صبر وإيمان، وتمسكوا بها على مدى ألفي عام، وآمل أن لا يفقدوها في عهد قداستكم، وهم يعانون ما يعانون عبر كل هذه السنين الطوال وأنت تعلم جيدا ما يعانون... ولعل أنقاض قريتي كفر برعم واقرت وأهلهما المشردين وهي أكبر شاهد على ذلك، ولعل هذه القرى وغيرها من القرى 'المهجرة' هي 'المتحف الحي' الذي يشهد على الظلم التاريخي الذي وقع على الشعب العربي الفلسطيني... إن هذه القرى 'المسيحية' المدمرة مع سائر أخواتها تنتظر زيارتك بفارغ الصبر، كما زرت غيرها من الأماكن، إن لم تكن أولى من غيرها من الأماكن، هذا إن استطعت إلى ذلك سبيلا!!...
أرجو وأنت تحج إلى هذه الأرض المقدسة وتعرج على القدس، المدينة المقدسة لكل الأديان وليس لدين واحد، وتمر في شوارع بيت لحم المقفرة الخالية من أهلها... أن تلتفت حولك لترى خرافك الضالة وقد تبعثرت في كل اتجاه، وأنت راعيها، وأن تعيدها إلى الحظيرة كما يليق بالراعي الصالح وقبل فوات الأوان وقبل أن تفرغ هذه الأرض من ساكنيها وقبل أنت تأتي في زيارتك القادمة ولا تجد في استقبالك سوى حجارة القبر المقدس الفارغ من 'صاحبه'!!...

نورتيني ياقمره