زيارة البابا: الرسائل الخاطئة

لنساير ما قاله الأب إبراهيم فلتس كاهن رعية اللاتين في القدس من أنه لا بد من انتظار انتهاء جولة البابا بيندكت السادس عشر إلى فلسطين حتى نحكم بالكامل وبإنصاف على ما زاره وما صرح به... لكن ذلك لا يمنع من القول بأن ما تم إلى حد الآن لا يبشر بخير ويمثل، إذا ما تكرس فعلا هذه الأيام، فرصة تاريخية أضاعها الحبر الأعظم.
اليوم الأربعاء سيقيم البابا قداسا في بيت لحم وغدا في الناصرة فلننتظر ما سيقوله للفلسطينيين الذين أصيبوا إلى حد الآن بخيبة أمل مريرة مما فعله رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم الذي لم يتردد بمجرد وصوله إلى إسرائيل أن يندد، وهو لا يزال على أرض المطار، بمعاداة السامية 'المقيتة' لكنه لم يشر بحرف واحد إلى أنه من غير المقبول ولا الأخلاقي ونحن نكاد ننهي العشرية الأولى في القرن الجديد أن هناك ما زال يحتل بالقوة أراضي الغير ويسوم سكانها سوء العذاب والهوان. صحيح أن البابا دعا إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وإلى مصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين لكن مثل هذه المصالحة تستلزم بداهة وضع حد للاحتلال وهو ما لا تستقيم معه الإشارات الضمنية والتلميحات الخفيفة، فمثلما لم يترك البابا أي فرصة لتأويل كلامه وهو يعرب عن التضامن مع اليهود في محنة سابقة كان عليه ألا يمضغ كلماته عندما يستوجب الأمر إدانة محنة الفلسطينيين الحالية والمتجددة.
لا أعرف شيئا عن مستشاري البابا للشؤون العربية الإسرائيلية ولا لمدى تأثير رجال الدين الكاثوليك العرب والفلسطينيين في جدول زيارته الحالية لكن الأكيد أن شيئا ما كان غائبا، على أمل ألا تكون فرصة التدارك قد ضاعت بالكامل خاصة مع ما حدث جراء التدخل القوي والشجاع لقاضي قضاة فلسطين في اللقاء الذي عقده البابا في القدس مع رجال دين يهود ومسيحيين ومسلمين. لم يفعل الشيخ تيسير التميمي شيئا سوى أنه دعا البابا علنا ومن على المنصة إلى أن 'يضغط على الحكومة الاسرائيلية لتوقف اعتداءها على الشعب الفلسطيني'، داعيا المسيحيين والمسلمين إلى العمل معا ضد الاحتلال الإسرائيلي وإدانة جرائمه، ومع ذلك حصل تململ ولم يتحرج الأب فيديريكو لومباردي مدير المكتب الإعلامي في الفاتيكان في القول إنه 'في لقاء مخصص للحوار، فان مداخلة مماثلة (مداخلة التميمي) تنافي في ذاتها ما يجب ان يكون عليه الحوار'!. والأنكى أن بطريرك الطائفة اللاتينية في القدس فؤاد طوال حاول مقاطعة المتكلم الذي صفق له قسم من الحضور فيما خرج آخرون من القاعة احتجاجا، وفق ما ذكرته وكالات الأنباء. قد يتوجه البابا في قداسي بيت لحم اليوم والناصرة غدا ببعض الكلمات المنصفة للفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال لكن يخشى ألا يكون لها في نهاية المطاف تأثير كبير بعد كل الرسائل الخاطئة التي وجهها إلى حد الآن في 'محطته الإسرائيلية'. المسألة الأخرى التي ليس من المناسب أن تلصق بالحبر الأعظم أنه رجل آثر السلامة فأعطى الإسرائيليين وهو بين ظهرانيهم الكلام الذي يريحهم إجمالا مع إشارات أخرى معاكسة خفيفة للغاية وسيفعل ذات الشيء مع الفلسطينيين عندما يحل بينهم وبذلك يظن أنه كان متوازنا وعادلا وهذا غير صحيح.
لننتظر ما سيقوله البابا عن حصار غزة، التي لم يكن موفقا ألا يزورها وهي تعاني حاليا، وما سيقوله عن الجدار الذي سيمر بالتأكيد بجانبه مرات عديدة، وما سيقوله كذلك عن المستوطنات التي تمثل سرقة منظمة ورسمية لأراضي الغير، أقله بمعايير القانون الدولي. إذا ما كان البابا واضحا ومنصفا وهو يتحدث عن كل ذلك فأمر إيجابي لا مفر من الترحيب به رغم كل شيء بعد أن أضاع البابا فرصة التحدث إلى الإسرائيليين بلغة صريحة قوية.
باختصار شديد لم يكن مناسبا ولا مفهوما أن يتحدث الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى الإسرائيليين من على منصة الكنيست قبل أشهر بلغة أقوى ألف مرة من لغة مرجع ديني وأخلاقي كبير كبابا الفاتيكان.

ميرسي جانيستا علي المجهود الرائع