فلسطين... خارطة بلا طريق

من طرف **janesta** الأحد أبريل 05, 2009 7:11 am

منذ أكثر من نصف قرن قالت الكاتبة ماريا لويزا برنيري 'إن عصرنا هو عصر التسويات والحلول الوسط '، هذه العبارة تصف وبدقة متناهية واقعا بأسم التسويات تكرست فيه الكثير من الكوارث، وأخص بالذكر هنا القضية الفلسطينية التي أراد حراسها أن يصنعوا من شتاتهم مشروعا قابلا للحياة فكان الانتقال من النضال المسلح وهو الهدف الرئيسي الذي أنشئت من أجله منظمة التحرير الفلسطينية (1964)، إلى النضال السياسي أو كما أرادته المنظمة التي تبنت عام 1974 فكرة إنشاء دولة ديمقراطية علمانية ضمن حدود فلسطين الانتدابية، يومها تشكلت جبهة رفض أسستها القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية الأمر الذي أدى إلى فرز الفصائل الفلسطينية لأول مرة على أساس الموقف من إسرائيل وقسمتهم إلى فريقين، حظي اختلافهما بدعم من أطراف عربية متناحرة، ونتيجة لهذا التدخل نشب في ثمانينات القرن الماضي صراع دموي بين المناوئين لعرفات وأنصاره على خلفية النزاع مع سورية.
يومها تعزز شرخ آخر في هيكل القضية الفلسطينية وبالرغم من ذلك تبنت منظمة التحرير عام 1988رسميا خيار الدولتين، وهكذا ابتلعت التسوية السياسية مبدأ النضال السياسي والمسلح على السواء وذلك بعد أن اعترف ياسر عرفات عام 1993 رسميا بإسرائيل.

اخفاقات

الغريب أن هذه النتيجة لم تأت بفعل نجاعة الثورة كأداة أساسية للتحرير، والدليل أن ما أحرزه الفلسطينيون بعد النضال وبعد المفاوضات أقل بكثير مما طرحه الإسرائيليون قبل عقود عدة بعد وضع اليد على فلسطين، إذن هذه النتيجة لم تأت بناء على دراسة موضوعية متأنية، بل أتت بعد فوضى عارمة لعبت بالكثير من المفاهيم التي تحكمت بمصائرنا عقودا دون أي محاكمة منا لجدوى فحواها.
لا يخفى على أحد أن أنظمتنا الدكتاتورية خذلت القضية الفلسطينية كما فعلت مع شعوبها وذلك عندما استغلت شعارات الثورة الفلسطينية لأغراض تعسفية، حيث جعلت من شتم العدو الإسرائيلي فرصة لتنفيس احتقان شوارعها من سياساتها القمعية فأدخلت حرية التعبير الانتقائية درب الفرض والإجبار وتلونت جدران أوطاننا بشعارات النضال والتحرر جنبا إلى جنب مع صور الجلاد القائد الذي توجته القضية الفلسطينية مناضلا، تسلحت يمناه بسوط ويسراه بمشعل!.
وهكذا أصبحت الحرية الجدارية الحق الوحيد المشروع للتعبير ما دامت لا تتخطى النطق بشهادة النكبة، وللحق القول لقد برع حكامنا بجدولتها لتغييب تعسفهم، ولكن ما لم يكن في الحسبان هو أن يصدق قادة الثورة الفلسطينية وشعبها أكذوبة الاحتضان والدعم المطلق لقضيتهم، ولأن رجال أعلام الثورة الفلسطينية لم يتربوا في سويسرا أي أنهم لم ينهلوا من معين دول يحكمها القانون والمؤسسات بل اتخموا بثقافة الوطن المزرعة والمواطن الأبكم، فقد حولوا الثورة والقضية إلى معتقل صادر باسم الحرية أحلام الثوار وأرحام أمهاتهم وجعل من ألأخ عدوا جائرا ومن العدو متفرجا شامتا ومن الصديق المفترض منافقا لم يتوان في سبعينات القرن الماضي من إخراج بعض حراس الثورة من الأردن ولاحقا من سورية ليستقروا وسلاحهم في لبنان الذي استباح ثوار القضية الفلسطينية ساحته الضعيفة فلفظتهم شتاتا جديدا أنتج بدوره صراعا جديد بين أخوة نسوا أن الأراضي الفلسطينية ما زالت في جلها محتلة، وما تبقى منها تحول إلى سجن كبير يعيش فيه حوالي 1.13 مليون مواطن، في حين بلغ عدد الفلسطينيين المقيمين خارج وطنهم في الشتات حسب تقديرات العام المنصرم إلى حوالى 5.0 مليون فرد يعيش 4.5 منهم في59 مخيما منتشرة في كل من الأردن وسورية ولبنان والأراضي الفلسطينية ، فيما يتوزع العدد الباقي في كافة بقاع الأرض.

خراب

لقد دفع ' حلم العودة' الشعب الفلسطيني إلى افتراش الأزقة والمخيمات لعقود، جغرافيا في جلها مستعارة كثمن مسبق لنتائج كان يفترض أن تنهي التهاب جراح انتشر بين الأجيال كالوباء، لكن المقابل كان أسوأ من أي توقع إذ تنامى الصراع داخل الشارع الفلسطيني وازداد التنافر داخل الصف العربي وشاهدنا الرئيسي على هذا الخراب هو عدونا الإسرائيلي الذي نلعنه على مدار الساعة دون أي محاولة جادة منا لمعرفة مكامن قوته وضعفه، بهذه الترهات ذهب بعض قادة الثورة إلى أوسلو محملين برسالة غفران لوحش لم نفهم يوما لغته، بل والمطلوب منا نحن الشعوب الدمى أن نصفق لتلك المهزلة ونبارك تداعياتها وأن نطهر ذاكرتنا من ذاك التاريخ وصوره التي ابتلعت أطهر أحلامنا ، لغــــة الفرض هذه السائدة ، ترى أين الشعب الفلسطيني منها؟
إذا كنا نحن الشعوب العربية الخاضعة بمثابة ورق على حائط مصادرة مساحته فهل يحق للشعب الفلسطيني أن يتحول إلى بنك دم مجاني لمصاصي دماء؟، ألم يحن الوقت ليقول الشعب كفى لكل متاجر بأسمه؟
في حرب غزة أربك صريخ النساء المستنجدات من هول القصف أحد قادة حماس! يومها بدا لي أن ذاك الحرج له علاقة باكتشاف احدهم أن الشعب الذي اقترن بالموت لعقود عدة لديه أحلام عادية كسائر البشر، وأن مقولة كل فلسطيني هو شهيد بالضرورة ساقطة، وفي المقلب الآخر سجلت السلطة الفلسطينية عجزا تاريخيا عندما تحولت بعد كل ذاك النضال إلى نسخة من أرشيف عربي لا يخلو من التعسف والغريب أن قائد ذاك النضال هو رعيل واحد في جله قاد رحلة سقط منه في الطريق أثنائها الكثير، إما كغدارين أو كمغدورين ، وها هي الطريق اليوم تسقط من أيدي من يدفعون أثمانا باهظة ، في صفقة سمك في بحر راكد لا حياة فيه، وتبقى مشكلة القضية رهن احتمالات ثلاث فهي إما في الطريق أو بقائد الفريق أو بالشعب الذي يصر على القيام بدور الغريق والخيار الرابع لا خير فيه لأنه يمثل شعبا عربيا بات على قناعة أن أنفاسه وإن أحصيت فهذا خير من أن تلفظ....