سريلانكا: نهاية الحرب وبداية الأمل

هل انتهت الحرب الاهلية في سريلانكا فعلا، وهل يعني اعلان الرئيس ماهيندا راجاباكسي نهاية العمليات العسكرية بين الجيش ونمور التاميل المستمرة منذ عام 1983، فصلا جديدا في هذه الجزيرة الاسيوية الصغيرة.
خلفيات الصراع وجذوره العرقية والثقافية والدينية لا تشي بذلك ، فالحرب الاهلية تغذت من التاريخ ومن مظالمه المستشعرة على اكثر من صعيد. دفع البريطانيون ابان استعمارهم للجزيرة باقلية التاميل الى الواجهة عملا بمبدأ فرق تسد، نال التاميل قسطا وافرا من التعليم وتقلدوا المناصب العليا والوسيطة في العهد الاستعماري على حساب الاكثرية السنهالية التي تدين بالبوذية على عكس التاميل الهندوس.
تطلع التاميل دائما الى بني جلدتهم في ولاية تاميل نادو الهندية التي يفصلهم عنها ممر مائي ضيق واستمدوا منهم كافة اشكال الدعم رغم الحياد الذي اتبعته الحكومات الهندية المتتالية تجاه الصراع في جارتها الجنوبية ومع ذلك اغتيل رئيس الوزراء الهندي الاسبق راجيف غاندي عام 1991على يد المتطرفين التاميل الذين اتهموه بدعم الحكومة السنهالية.
عملت جبهة نمور تحرير ايلام التاميلية على استقلال الاجزاء الشمالية والشرقية من البلاد او ما يعرف بشبه جزيرة جافنا. وقد خاضوا مواجهات مفتوحة ضد الحكومة استخدموا فيها كافة انواع الاسلحة بما فيها سلاحي الجو والبحر، وافرطوا في اللجوء للعمليات الانتحارية. الجبهة نجحت في استقطاب الرأي العام التاميلي وشكلت بنية هيكلية محكمة وفرت لها كل اشكال الدعم الشعبي، كما تشعب انتشار انصارها في مختلف انحاء البلاد مما شكل عبئا ثقيلا على الجيش المعني الاول بمحاربتها.
لذلك لا نستغرب وصف الحرب الاهلية في سريلانكا بانها الاعنف في القارة الاسيوية والاكثر تعقيدا ،بدليل عصيانها على كل مبادرات الحل السلمي التي رعتها دول اقليمية واوروبية.
مئات الاف الاشخاص لقوا حتفهم في الصراع وشرد ملايين اخرين كما اغتيل الرئيس الاسبق راناسينغي بريماداسا عام 1993وتعرضت الرئيسة السابقة كمارا تونغا لمحاولة اغتيال. ناهيك عن الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تكبدتها البلاد خاصة في مجال السياحة وزراعة الشاي.
لا يحتاج المراقب كبير عناء ليعرف مآلات الحسم العسكري الذي حشدت له الحكومة كل طاقاتها وتجاهلت الانتقادات الدولية لها بسبب الثمن الذي دفعه المدنيون قتلا وتشريدا. التاميل هزموا واقروا بالهزيمة لكنهم اكدوا ان الامر لا يعدو ان يكون مجرد مرحلة من صراع طويل خاضوه ليدافعوا عن هويتهم ودورهم الذي سلب منهم حتى لغتهم لم تعد لغة رسمية بعد اعلان السنهالية لغة للبلاد في عام 1956
المتابعون للشأن السريلانكي اجمعوا على ضرورة تحرك الحكومة لطمأنة التاميل واشعارهم ان هزيمة النمور لا تعني هزيمة القومية التاميلية باي حال من الاحوال، كذلك يجب على الحكومة المبادرة لايجاد شراكة سياسية تعيد للتاميل ثقتهم في مؤسسات الدولة ، فضلا عن الشروع في ارساء ثقافة سياسية جديدة تخفف من غلواء الانتماءات العرقية والدينية لصالح مفهوم المواطنة ودولة القانون.
اكثر من ثلاثين عاما امضاها التاميل في صراع دائم لاستعادة حقوقهم دون ان يعترفوا بانهم تعلموا واثروا وحكموا على حساب اغلبية انتظرت الاستقلال لتنتقم لنفسها.
دفعت سريلانكا ثمن التركة الاستعمارية اكثر من غيرها، لم تفطن كجارتها الكبيرة الهند لاهمية الديمقراطية وتداول السلطة كترياق لتهدئة النفوس وتبديد المظالم، فانشغلت في سنوات الاستقلال الاولى بتطييب خواطر السنهاليين والانتقام من التاميل، وقد كان بالامكان انجاز ذلك بوسائل ترضي الجميع ولا تشعر فئة بالاستفزاز والخوف على مستقبلها.
وعليه لا بد من انتظار التطورات في المستقبل القريب لنحكم على حقيقة الحسم العسكري والهزيمة التي الحقت بنمور التاميل، في جزيرة انقاد ساستها ونخبها الفاعلة للحرب وتركوا شعبهم يعاني من ويلات الحرب والفقر معا، شعب لا يتردد في القول انه من بلاد تشتهر بتصدير الشاي وخدم المنازل.

نورتيني ريم