المواضيع الأخيرة
بحـث
ازدواجية الحرب والسلام في مشروع اوباما الجديد
2 مشترك
نســــــــــــــــــــــايــــم :: السيـاســــه... POLITCS :: قســم المواضيع السياسيه... POLITC TOPICS
صفحة 1 من اصل 1
ازدواجية الحرب والسلام في مشروع اوباما الجديد
يفتتح الرئيس أوباما عهده بأوسع حملة دبلوماسية هادفة لتسويق شخصيته الزعامية كرئاسة مختلفة لأكبر دولة في العصر، وهي في طور المعاناة الأصعب لمصيرها الراهن والمستقبلي الأقرب. فالرجل اكتسب شعبية خارج حدود بلاده، ما قبل وصوله إلى البيت الأبيض. كان يبدو، لجماهير عالمية من الغرب والشرق، أشبه بالمنقذ أو المخلّص المنتظر. كانت نخب العالم تحس أن سفينة السياسة الدولية قد استولى عليها قرصان دموي طائش. فالبوشية المسعورة لم تكن تستعدي عليها القارة العربية الإسلامية وحدها؛ كانت تناصب العقل الإنساني في كل مكان، عداوة الخطأ الفادح ضد كل صواب طبيعي بسيط. كان منهج البوشية الغبية يقوم على قاعدة تحصين الخطأ بوقاحة العجرفة المتعالية.
كان اعتقاد البوشية أنها كلما أنزلت شروراً أكبر بكلِّ آخر متصوّر كعدو، فإنها بذلك قد توفر حماية أعظم للفئة الأقل من تجار الرأسمالية المتوحشة في بلادها، كما في كل مكان من أرض البشر المعذبين. كانت البوشية، ودون أن تدري هي ومخططوها ربما، أن تعميم نموذج (حضارة العنف) وحدها هو الكفيل بإجهاض مسيرة التاريخ نحو المدنية الإنسانية، وهي النهاية الحقيقية للتاريخ المتوقعة عقلانياً، ضداً على النهاية الزائفة، التي بشَّر بها فوكوياما، دعماً للنيوليبرالية، كما اعتنقها قطيع المحافظين الجدد؛ فاستطاعوا أن يشكلوا العقل المفكر والمخطط لإنجازات العهد البوشي الكارثية. فكان ثمن كل ذلك انفجار مركزية الرأسمالية المتوحشة، وسقوطها على رؤوس أصحابها في عقر دارهم أمريكا.
لقد اكتسب أوباما شعبية الرأي العام العالمي التي ساهمت ولا شك في حمله إلى البيت الأبيض، مع شعبيته المتعاظمة في أمريكا نفسها خلال الجولات الانتخابية. إنه الرئيس الفريد، المنتخب عالمياً قبل اختياره من قبل شعبه. فحين يشرع في جولته الأوروبية والشرق أوسطية، كأول حراك دولي وشخصي له، كأنما يحاول أن يقدم لجماهير هذه البلاد البعض من الآمال الكبيرة التي عقدتها عليه، وقد أصبحت في طور التحقق الإعلامي والتفاوضي مبدئياً. هكذا يطرح أوباما وثائق اختلافه الكلي أمام الجمهور الأوروبي والعربي والإسلامي. أنه نوع من استفتاء استباقي حول المشروع التغييري، كأنه يتوقع مشاركة هذا الجمهور الدولي الرئيسي في تحمل مسؤولياته الأخلاقية مقدماً، الناجمة عن إنجازات هذا المشروع، أو عن نواياها المتفائلة بالنتائج منذ الآن.
أوباما احتفل أيما احتفال بعودة فرنسا إلى قيادة حلف الأطلسي. فأمريكا محتاجة حالياً إلى استعادة وحدة هذا الحلف ليشمل كل أعضاء الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا المتمردة على عضويته بما كان تعبيراً عن موقف مبدئي رافض لاستراتيجية الحلف، وتبعيته المطلقة للأحادية الأمريكية في مطلع الحرب الباردة. كان ذلك أحد القرارات المصيرية لفلسفة الاستقلال الفرنسي كما فهمه وحققه ديغول مؤسس الجمهورية الخامسة. كما كان القرار تطبيقاً سياسياً لما سُيطلق عليه مصطلح الاستثناء الفرنسي الذي سيكون عنواناً تقليدياً لمسيرة فرنسية متميزة طيلة مراحل ومنعطفات الحرب الباردة، ما جنّبها الكثير من التبعات الثقيلة والخطرة التي تعرضت لها معظم دول أوروبا الغربية الأخرى المنضمة إراداوياً أو عملياً إلى المحور الأمريكي الرأسمالي ضداً على المحور السوفييتي الاشتراكي. كان لفرنسا ما يشبه الموقع الثالث في إطار ثنائية هذين المحورين، وبما يخرج عنه في الآن ذاته. فهي كانت دائماً في المركز من الحضارة الغربية. لن تتقبل بسهولة اصطفافاً عضوياً ملحقاً بقيادة سواها، وإن كان حليفاً كبيراً لها كأمريكا، وتحديداً إبان الحربين العالميتين المنصرمتين.
كان اعتقاد البوشية أنها كلما أنزلت شروراً أكبر بكلِّ آخر متصوّر كعدو، فإنها بذلك قد توفر حماية أعظم للفئة الأقل من تجار الرأسمالية المتوحشة في بلادها، كما في كل مكان من أرض البشر المعذبين. كانت البوشية، ودون أن تدري هي ومخططوها ربما، أن تعميم نموذج (حضارة العنف) وحدها هو الكفيل بإجهاض مسيرة التاريخ نحو المدنية الإنسانية، وهي النهاية الحقيقية للتاريخ المتوقعة عقلانياً، ضداً على النهاية الزائفة، التي بشَّر بها فوكوياما، دعماً للنيوليبرالية، كما اعتنقها قطيع المحافظين الجدد؛ فاستطاعوا أن يشكلوا العقل المفكر والمخطط لإنجازات العهد البوشي الكارثية. فكان ثمن كل ذلك انفجار مركزية الرأسمالية المتوحشة، وسقوطها على رؤوس أصحابها في عقر دارهم أمريكا.
لقد اكتسب أوباما شعبية الرأي العام العالمي التي ساهمت ولا شك في حمله إلى البيت الأبيض، مع شعبيته المتعاظمة في أمريكا نفسها خلال الجولات الانتخابية. إنه الرئيس الفريد، المنتخب عالمياً قبل اختياره من قبل شعبه. فحين يشرع في جولته الأوروبية والشرق أوسطية، كأول حراك دولي وشخصي له، كأنما يحاول أن يقدم لجماهير هذه البلاد البعض من الآمال الكبيرة التي عقدتها عليه، وقد أصبحت في طور التحقق الإعلامي والتفاوضي مبدئياً. هكذا يطرح أوباما وثائق اختلافه الكلي أمام الجمهور الأوروبي والعربي والإسلامي. أنه نوع من استفتاء استباقي حول المشروع التغييري، كأنه يتوقع مشاركة هذا الجمهور الدولي الرئيسي في تحمل مسؤولياته الأخلاقية مقدماً، الناجمة عن إنجازات هذا المشروع، أو عن نواياها المتفائلة بالنتائج منذ الآن.
أوباما احتفل أيما احتفال بعودة فرنسا إلى قيادة حلف الأطلسي. فأمريكا محتاجة حالياً إلى استعادة وحدة هذا الحلف ليشمل كل أعضاء الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا المتمردة على عضويته بما كان تعبيراً عن موقف مبدئي رافض لاستراتيجية الحلف، وتبعيته المطلقة للأحادية الأمريكية في مطلع الحرب الباردة. كان ذلك أحد القرارات المصيرية لفلسفة الاستقلال الفرنسي كما فهمه وحققه ديغول مؤسس الجمهورية الخامسة. كما كان القرار تطبيقاً سياسياً لما سُيطلق عليه مصطلح الاستثناء الفرنسي الذي سيكون عنواناً تقليدياً لمسيرة فرنسية متميزة طيلة مراحل ومنعطفات الحرب الباردة، ما جنّبها الكثير من التبعات الثقيلة والخطرة التي تعرضت لها معظم دول أوروبا الغربية الأخرى المنضمة إراداوياً أو عملياً إلى المحور الأمريكي الرأسمالي ضداً على المحور السوفييتي الاشتراكي. كان لفرنسا ما يشبه الموقع الثالث في إطار ثنائية هذين المحورين، وبما يخرج عنه في الآن ذاته. فهي كانت دائماً في المركز من الحضارة الغربية. لن تتقبل بسهولة اصطفافاً عضوياً ملحقاً بقيادة سواها، وإن كان حليفاً كبيراً لها كأمريكا، وتحديداً إبان الحربين العالميتين المنصرمتين.
دودو- عضو متميز
-
عدد الرسائل : 4345
العمر : 35
نقاط : 3124
تاريخ التسجيل : 02/02/2009
رد: ازدواجية الحرب والسلام في مشروع اوباما الجديد
تستعيد طلائع الجمهور الفرنسي بعض هذه الذاكرة الوطنية، وهي ترى جمهوريتها الخامسة، وفي عهد آخر رئيس لها، ومن سلالة رئاسيات الحزب الديغولي نفسه، تحتفل فيما هو أقرب إلى مهرجان شعبي، بل دبلوماسي فوقي، باستعادة مكانها من ذلك الاصطفاف (الاضطراري)؟ في قيادة الحلف الأطلسي، وليس ما بين عسكره المقاتل فحسب، كما كان حالها طيلة العقود الثلاثة المنصرمة. غني عن البيان أن الفرنسيين لا يحبون هذا الحلف. وكان ابتعادهم عنه يغذي اعتزازهم أكثر بسيادة جمهوريتهم وتميزها الأوروبي والإنساني. فلن يكونوا مشاركين لابتهاج أوباما بعودة فرنسا، كالإبن الضال إلى القطيع الأطلسي. وقد عكست صحافة باريس برودة الرأي العام فضلاً عن إمارات القنوط المبكرة من ظاهرة الأوبامانيا التي يبديها المثقفون. فما معنى إحياء معسكر الحرب الأوحد المتبقي من عصر توازن الرعب بين جناحي التهديد النووي الأعظم (الاشتراكية السوفييتية والرأسمالية الأمريكية). ولماذا يُعاد تحشيد قوى ضفتي الأطلسي في وقت الأزمة المالية الطاحنة. أهو العدو الجديد الجاري صنعه واصطناعه، وفي مطلع عهد الرئاسة الأمريكية، الذي يزعم صاحبه أنه سيكون عصراً حقيقياً للسلام العالمي.
لقد نجحت جولة الرئيس الأمريكي (المختلف؟) في إعطاء صيغة أخرى للاتحاد الأوروبي كمستودع عسكري على أهبة الاستعداد لخوض نزاعات المستقبل جنباً إلى جنب إمبراطورية أمريكية، هي في طور التصفية واقعياً، تلك المهمة (الاستراتيجية) الوحيدة والسرية الموكولة تاريخانياً لنوعية الرئاسة الراهنة، المختارة خصيصاً لممارستها، حتى لا تأتي النهاية إلا على يد رئاسة ليست أمريكية تماماً. فمن قدر هذه الرئاسة ذات الأصل العنصري المختلط، أن تقود جحافل الإمبراطورية الآفلة، فتقاتل وهي تتراجع القهقرى، منسحبة من ساحاتها الفاشلة واحدة بعد الأخرى. ومن قدر صاحبها ألا يفوز إلا بكارزمية سلبية، لا يتمتع بها إلا أبطال تراجيديون نادرون، كُتب عليهم أن يقودوا بشجاعة هزائم قادة آخرين من الجبناء الرعاديد، إلى مصائرهم المحتومة. تحتاج الإمبراطورية المنهارة إلى فترة سماح من الأعداء قبل الأصدقاء، قد تعطيها عنوان السلام العالمي. هكذا جرى استرداد أوروبا كلياً إلى بيت الطاعة الأطلسي، تحت طائلة التسويغ الذكي للرئيس الفرنسي، بدعوى الانضمام إلى صف صناع القرار من قيادة الحلف، حتى لا تأتي قراراته العسكرية مستقبلاً، إلا وهي في خدمة (السلام العالمي) وضداً على تمردات أعدائه. وفي المقدمة يأتي بالطبع العرب والإسلام. فهؤلاء لابدَّ من تطويعهم، ليس بلغة الدم وحدها، ولكن بواسطة عروض المشاركة في بناء الأمن الكوني وحراسته. ذلك هو المدخل إلى الطور الثاني من الرحلة الرئاسية التدشينية. إذ يأتي أوباما إلى عاصمة إحدى الدولتين الإسلاميتين الكبيرتين تركيا في الشرق الأوسط، ليعلن من أعلى منابرها الرسمية هناك أن الإسلام (لم يعد) عدواً لأمريكا. ذلك الإعلان الانقلابي بالاحتكام إلى شرعة المصالحة في العلاقة مع الآخر، كأنما لم يستكمل خطابه الاستراتيجي، إلا على خلفية الإنجاز العسكري للمرحلة الأولى من الجولة الرئاسية، متمثلاً في استعادة وحدة (الغرب) بالحرف الكبير - ما بين ضفتي الأطلسي، وفي ترسانة عسكرية عظمى لقارتيه معاً. بكل بساطة يمكن لأي مراقب، ومن النظرة الأولى، أن يرى في هذه الرحلة ثمة خارطة جيوسياسية ترتسم متكاملة، وتنبني خطوطها ما بين أسطر الخطابات المتفوهة التي يلقيها أوباما بفصاحة بارعة الألفاظ، الحافلة بالدلالات المدروسة والمقصودة بعناية. يكفي التمعن بآفاق المناسبة التي تربط بين استحضار عسكرة الغرب الموحد من جهة، والنداء على السلام مع الإسلام؛ فهل المقصود هو فرض سلام القوة، على الطريقة الأمريكية البوشية المعهودة، ما دامت جيوش (البنتاغون) تغطي جبهات القتال المفتوحة في كل من العراق وأفغانستان، ناشرة إشعاعاتها السياسية السوداء، ليس في محيطها العربي والإسلامي الأوسع؛ بل الدولي الأشمل أيضاً. هل يمكن أن يذهب بنا الاستنتاج إلى أن الرأسمالية المحتضرة تكشر عن أنيابها أكثر كلما عجز المجتمع الدولي عن اختراع الحلول الناجعة للأزمة الاقتصادية الضاربة. أليس من أغرب مصادفات هذه الأزمة أنه في الوقت الذي تزمع فيه أمريكا على إنهاء إرهابها الأيديولوجي العسكري على العرب والاسلام، يصار إلى تحكيم ترسانة العنف الأطلسي في خلفية كل العلاقات الدولية ذات الطابع التنافسي اقتصادياً واستراتيجياً. أي بكلمة واحدة لا يزال الغرب يتمسك بحاكميته المطلقة على العالم، عسكرياً، إن عجز اقتصادياً. غير إن الأوبامايا تؤكد حرصها على جعل السلام هو المحرك الرئيسي لمنطق علاقاتها الدولية، ما دامت تتبع خريطة الانسحاب المبرمج من العراق، في الوقت الذي تنقل حربها إلى أفغانستان، وربما إلى باكستان كذلك. ذلك لا يشكل تناقضاً على المستوى التطبيقي، إذ يريد أوباما حصر نشاطه العسكري في مقاتلة طالبان والقاعدة المسؤولتين عن قيادة الإرهاب المحلي والعالمي في رأيه، وخاصة فيما يتعلق بتهديد القاعدة للداخل الأمريكي كما يتصوره أو تصوره له (البوشية) المتوغلة في أجهزة إدارته.
قد يكف أوباما عن اتهام الإسلام ككل، مبتعداً بذلك عن البوشية التي ضخمت أسطورة الإرهاب لتبرر عسكرة السياسة الدولية وإطلاق مسلسل الحروب الاستباقية. ومع ذلك ستظل أمريكا، وتحت قيادة أوباما، (مضطرة) إلى توسيع حربها الأفغانية. وقد يغرق عهده تدريجياً في مستنقعها، كما غرق سلفه في مستنقع العراق. وكان من نتائجها المباشرة والسريعة إفلاس المشروع الإمبراطوري من أيديولوجيته المتهافتة، وانفجار اقتصادها الاحتيالي معها، ما أصاب العالم كله بوعثائها، والقذف بمجتمعاته في مهاوي الفاقة والعوز. وهكذا ستواجه الأوبامايا الحلقة المفرغة إياها التي أطبقت على البوشية. فحين تستنقع أية حرب تفقد أهدافُها كلَّ مبرراتها وتسويغاتها. يصبح الخروج أخطر مستحيلاتها إن لم يقترن بهزيمة ماحقة للمعتدي، مهما تذرع بالاضطرارية وما شابه من أدلجات العنف المنظم. فالتركة البوشية هي أثقل من أن تبددها النوايا الحسنة التي يدأب الرئيس الأمريكي الجديد على ترديد أناشيدها الجميلة في كل محفل دولي. حتى تصريحه المدوي حول إلغاء السلاح النووي عالمياً، فلم يؤخذ على مجمل الجد من قبل الأوساط الدولية، إلا كتسويغ جديد لحملة الضغوط (العقائدية) هذه المرة على إيران التي يفترض، ويفرض، الدخول معها في حوار مختلف، يبدو أن قادة طهران بدأوا يتسلمون علائم تغيير في بعض مقدماته، وعبر لقاءات غير علنية بين رجال من الدولتين.
من المتوقع أن سلة الهبات الأمريكية المقررة إزاء التصالح مع الإسلام الرسمي من المدخل الإيراني، تتجاوز العقدة النووية لتبلغ المدى من (الصلاحية) الاستراتيجية التي سيمتد إليها نفوذ إيران إقليمياً وقارياً، وذلك حسب المبدأ التقليدي القائل بإمكانية السماح لدولة إقليمية أن تأخذ حقها من الكبر، شرط أن تبقى تحت التأثير من قبل الدولة العالمية المهيمنة. وهنا محك الاختيار الإيراني المحوري. وعليه سيتوقف ارتسام بنيوي شامل لخارطة توزع القوى الشرق أوسطية وحتى العمق الآسيوي الإسلامي. والرحلة لا تزال في خطواتها الأولى.
لقد نجحت جولة الرئيس الأمريكي (المختلف؟) في إعطاء صيغة أخرى للاتحاد الأوروبي كمستودع عسكري على أهبة الاستعداد لخوض نزاعات المستقبل جنباً إلى جنب إمبراطورية أمريكية، هي في طور التصفية واقعياً، تلك المهمة (الاستراتيجية) الوحيدة والسرية الموكولة تاريخانياً لنوعية الرئاسة الراهنة، المختارة خصيصاً لممارستها، حتى لا تأتي النهاية إلا على يد رئاسة ليست أمريكية تماماً. فمن قدر هذه الرئاسة ذات الأصل العنصري المختلط، أن تقود جحافل الإمبراطورية الآفلة، فتقاتل وهي تتراجع القهقرى، منسحبة من ساحاتها الفاشلة واحدة بعد الأخرى. ومن قدر صاحبها ألا يفوز إلا بكارزمية سلبية، لا يتمتع بها إلا أبطال تراجيديون نادرون، كُتب عليهم أن يقودوا بشجاعة هزائم قادة آخرين من الجبناء الرعاديد، إلى مصائرهم المحتومة. تحتاج الإمبراطورية المنهارة إلى فترة سماح من الأعداء قبل الأصدقاء، قد تعطيها عنوان السلام العالمي. هكذا جرى استرداد أوروبا كلياً إلى بيت الطاعة الأطلسي، تحت طائلة التسويغ الذكي للرئيس الفرنسي، بدعوى الانضمام إلى صف صناع القرار من قيادة الحلف، حتى لا تأتي قراراته العسكرية مستقبلاً، إلا وهي في خدمة (السلام العالمي) وضداً على تمردات أعدائه. وفي المقدمة يأتي بالطبع العرب والإسلام. فهؤلاء لابدَّ من تطويعهم، ليس بلغة الدم وحدها، ولكن بواسطة عروض المشاركة في بناء الأمن الكوني وحراسته. ذلك هو المدخل إلى الطور الثاني من الرحلة الرئاسية التدشينية. إذ يأتي أوباما إلى عاصمة إحدى الدولتين الإسلاميتين الكبيرتين تركيا في الشرق الأوسط، ليعلن من أعلى منابرها الرسمية هناك أن الإسلام (لم يعد) عدواً لأمريكا. ذلك الإعلان الانقلابي بالاحتكام إلى شرعة المصالحة في العلاقة مع الآخر، كأنما لم يستكمل خطابه الاستراتيجي، إلا على خلفية الإنجاز العسكري للمرحلة الأولى من الجولة الرئاسية، متمثلاً في استعادة وحدة (الغرب) بالحرف الكبير - ما بين ضفتي الأطلسي، وفي ترسانة عسكرية عظمى لقارتيه معاً. بكل بساطة يمكن لأي مراقب، ومن النظرة الأولى، أن يرى في هذه الرحلة ثمة خارطة جيوسياسية ترتسم متكاملة، وتنبني خطوطها ما بين أسطر الخطابات المتفوهة التي يلقيها أوباما بفصاحة بارعة الألفاظ، الحافلة بالدلالات المدروسة والمقصودة بعناية. يكفي التمعن بآفاق المناسبة التي تربط بين استحضار عسكرة الغرب الموحد من جهة، والنداء على السلام مع الإسلام؛ فهل المقصود هو فرض سلام القوة، على الطريقة الأمريكية البوشية المعهودة، ما دامت جيوش (البنتاغون) تغطي جبهات القتال المفتوحة في كل من العراق وأفغانستان، ناشرة إشعاعاتها السياسية السوداء، ليس في محيطها العربي والإسلامي الأوسع؛ بل الدولي الأشمل أيضاً. هل يمكن أن يذهب بنا الاستنتاج إلى أن الرأسمالية المحتضرة تكشر عن أنيابها أكثر كلما عجز المجتمع الدولي عن اختراع الحلول الناجعة للأزمة الاقتصادية الضاربة. أليس من أغرب مصادفات هذه الأزمة أنه في الوقت الذي تزمع فيه أمريكا على إنهاء إرهابها الأيديولوجي العسكري على العرب والاسلام، يصار إلى تحكيم ترسانة العنف الأطلسي في خلفية كل العلاقات الدولية ذات الطابع التنافسي اقتصادياً واستراتيجياً. أي بكلمة واحدة لا يزال الغرب يتمسك بحاكميته المطلقة على العالم، عسكرياً، إن عجز اقتصادياً. غير إن الأوبامايا تؤكد حرصها على جعل السلام هو المحرك الرئيسي لمنطق علاقاتها الدولية، ما دامت تتبع خريطة الانسحاب المبرمج من العراق، في الوقت الذي تنقل حربها إلى أفغانستان، وربما إلى باكستان كذلك. ذلك لا يشكل تناقضاً على المستوى التطبيقي، إذ يريد أوباما حصر نشاطه العسكري في مقاتلة طالبان والقاعدة المسؤولتين عن قيادة الإرهاب المحلي والعالمي في رأيه، وخاصة فيما يتعلق بتهديد القاعدة للداخل الأمريكي كما يتصوره أو تصوره له (البوشية) المتوغلة في أجهزة إدارته.
قد يكف أوباما عن اتهام الإسلام ككل، مبتعداً بذلك عن البوشية التي ضخمت أسطورة الإرهاب لتبرر عسكرة السياسة الدولية وإطلاق مسلسل الحروب الاستباقية. ومع ذلك ستظل أمريكا، وتحت قيادة أوباما، (مضطرة) إلى توسيع حربها الأفغانية. وقد يغرق عهده تدريجياً في مستنقعها، كما غرق سلفه في مستنقع العراق. وكان من نتائجها المباشرة والسريعة إفلاس المشروع الإمبراطوري من أيديولوجيته المتهافتة، وانفجار اقتصادها الاحتيالي معها، ما أصاب العالم كله بوعثائها، والقذف بمجتمعاته في مهاوي الفاقة والعوز. وهكذا ستواجه الأوبامايا الحلقة المفرغة إياها التي أطبقت على البوشية. فحين تستنقع أية حرب تفقد أهدافُها كلَّ مبرراتها وتسويغاتها. يصبح الخروج أخطر مستحيلاتها إن لم يقترن بهزيمة ماحقة للمعتدي، مهما تذرع بالاضطرارية وما شابه من أدلجات العنف المنظم. فالتركة البوشية هي أثقل من أن تبددها النوايا الحسنة التي يدأب الرئيس الأمريكي الجديد على ترديد أناشيدها الجميلة في كل محفل دولي. حتى تصريحه المدوي حول إلغاء السلاح النووي عالمياً، فلم يؤخذ على مجمل الجد من قبل الأوساط الدولية، إلا كتسويغ جديد لحملة الضغوط (العقائدية) هذه المرة على إيران التي يفترض، ويفرض، الدخول معها في حوار مختلف، يبدو أن قادة طهران بدأوا يتسلمون علائم تغيير في بعض مقدماته، وعبر لقاءات غير علنية بين رجال من الدولتين.
من المتوقع أن سلة الهبات الأمريكية المقررة إزاء التصالح مع الإسلام الرسمي من المدخل الإيراني، تتجاوز العقدة النووية لتبلغ المدى من (الصلاحية) الاستراتيجية التي سيمتد إليها نفوذ إيران إقليمياً وقارياً، وذلك حسب المبدأ التقليدي القائل بإمكانية السماح لدولة إقليمية أن تأخذ حقها من الكبر، شرط أن تبقى تحت التأثير من قبل الدولة العالمية المهيمنة. وهنا محك الاختيار الإيراني المحوري. وعليه سيتوقف ارتسام بنيوي شامل لخارطة توزع القوى الشرق أوسطية وحتى العمق الآسيوي الإسلامي. والرحلة لا تزال في خطواتها الأولى.
دودو- عضو متميز
-
عدد الرسائل : 4345
العمر : 35
نقاط : 3124
تاريخ التسجيل : 02/02/2009
رد: ازدواجية الحرب والسلام في مشروع اوباما الجديد
دودو
مجهودك مميز ورائع
مجهودك مميز ورائع
reem- المشرف العام
-
عدد الرسائل : 9539
نقاط : 9022
تاريخ التسجيل : 29/01/2009
دودو- عضو متميز
-
عدد الرسائل : 4345
العمر : 35
نقاط : 3124
تاريخ التسجيل : 02/02/2009
مواضيع مماثلة
» القصر الجمهوري ينتظر تركيبة البرلمان الجديد ويفكر بخيار الحرب والسلم
» من أدعية الرسول عليه الصلاة والسلام
» مشروع لتسهيل حياة المسنين بمساعدة أرقى التقنيات
» مشروع قانون يحظر تقديم مساعدات عسكرية أميركية لمصر
» متى تطوى آخر صفحات الحرب الباردة؟
» من أدعية الرسول عليه الصلاة والسلام
» مشروع لتسهيل حياة المسنين بمساعدة أرقى التقنيات
» مشروع قانون يحظر تقديم مساعدات عسكرية أميركية لمصر
» متى تطوى آخر صفحات الحرب الباردة؟
نســــــــــــــــــــــايــــم :: السيـاســــه... POLITCS :: قســم المواضيع السياسيه... POLITC TOPICS
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة مايو 06, 2011 9:36 am من طرف nada22
» برنامج يعمل اجنور للروم كلة تبع الياهو
الخميس سبتمبر 02, 2010 2:06 am من طرف MELAD89
» موت آخر أمل
الخميس أغسطس 19, 2010 9:41 am من طرف hady22
» ممكن ؟
الخميس أغسطس 19, 2010 9:38 am من طرف hady22
» تسرب المياه يكشف عن وفاة عجوز قبل 5 أعوام
الثلاثاء يوليو 27, 2010 2:08 pm من طرف janesta
» استراليا تكتشف ثلاثة ديناصورات كبيرة جديدة
الثلاثاء يوليو 27, 2010 2:07 pm من طرف janesta
» بحيرة طبرية تتناقص...... صور
الثلاثاء يوليو 27, 2010 2:06 pm من طرف janesta
» منزل بدولار واحد في الأسبوع في بلدة أسترالية
الثلاثاء يوليو 27, 2010 2:04 pm من طرف janesta
» برنامج دس كونكت باميلات بوت خطييير جدا
الثلاثاء مايو 11, 2010 10:27 pm من طرف شادى
» اقفل اميل الى مديقك فى ثوانى 123 بوووووووم
الثلاثاء مايو 11, 2010 9:47 pm من طرف شادى
» اطرد كل الى فى الروم فى 3 ثوانى مش مبالغة
الثلاثاء مايو 11, 2010 9:34 pm من طرف شادى
» أدخل حمل برنامج تسجيل صوت كل شيء على الجهاز الكمبيوتر
الأربعاء فبراير 10, 2010 10:08 am من طرف فوفو العنزي
» اعرف الى قدامك اون لاين ولا افلاين من غير برنامج وكمان اعرف
الثلاثاء فبراير 09, 2010 8:57 pm من طرف حنان
» برنامج Many cam 2.3
السبت فبراير 06, 2010 6:58 am من طرف البندري
» برنامج بوت قوى ويشتغل ب100 اميل بس
الخميس فبراير 04, 2010 11:24 pm من طرف thehandsome