أما آن الأوان ليخرج الاستعمار من بيتنا ويعيد لنا مسروقاتنا؟

من طرف **دودو** الجمعة أبريل 10, 2009 7:50 am

لم تأت معاهدة قصر السعيد الموقّعة يوم 12 ايار /مايو 1881 بين حكومة فرنسا وباي تونس محمد الصادق باي لتأسس لنظام 'حمائي' للدولة التونسية، وإنما جاءت لتكرّس لنظام الاستعمار المباشر تحت مسمّى 'الحماية'. نظام الاستعماربكل ما يعينه من هيمنة وسيطرة ونهب للثروات وقتل وتشريد للشعب. سنوات طوال مرت من 1881 إلى سنة 1956 عاشتها البلاد بقحط وجدب وقهر وظلم واستعباد. وكانت فرنسا هي المسؤولة أولا وآخرا عن كل ما حل بالبلاد، أما ما حدث لاحقا من أزمات وعتمات وإن كانت فرنسا 'وراء الباب' فإنّ كل المسؤولية تعود إلى النظام الحاكم المباشر وإن كان في الحقيقة يحكم نيابة لا عن الشعب وإنما عن قوى الاستعمار شأنه في ذلك شأن أغلب الأنظمة في الأقطار العربية بعد إن 'انسحبت' منها قوى الاستعمار.
هل تستطيع اليوم هذه الدول التي كانت استعمارية (وفي الحقيقة لا زالت تمارس نفس الدور وإن كان في الظل وبأدوات مختلفة) أن تنفي الجرائم ضد الإنسانية التي مارستها سالفا في هذه الدول، وهل تستطيع أن تنكر سرقاتها لمقدرات وثروات هذه البلدان؟ قطعا إنها لا تستطيع أن تخفي هذه الحقائق، ورغم ذلك فإنها لا تريد أن تعترف بها وتتحاشى البحث في هذا الأمر أصلا إذا ما صادف وإن خرج صوت من هنا أو هناك لحث هذه الدولة أو تلك للاعتراف بجرائمها إبان حقبة الاستعمار المباشر. فالحكومات الفرنسية المتعاقبة إلى اليوم تأبى الاعتراف بالجرائم التي اقترفتها الحكومة الفرنسية طوال مدة استعمارها للجزائر رغم تمسك وتشبث العديد من الأصوات في الجزائر بما في ذلك الحكومة بضرورة اعتراف فرنسا بهذه الجرائم، وهذا الأمر لا يزال عقبة أمام تطور العلاقات الثنائية بين البلدين.
ولكن في المقابل أمام إصرار الحكومة الليبية على ضرورة أن تعترف إيطاليا بجرائمها ضد الشعب الليبي إبان الحقبة الاستعمارية وتعويضه ماديا ومعنويا، وعملت على الضغط بأشكال عدة ووسائل مختلفة وهي متاحة لدى كافة الأنظمة العربية - ما كان من إيطاليا إلاّ الإذعان والاستجابة لمطالب الشعب الليبي.
ولكننا اليوم لا نلوم الدول الاستعمارية على تعنتها وإصرارها على عدم الاعتراف بجرائمها في حق شعوبنا بقدر ما نتوجه باللائمة على أنفسنا لأننا لا نمكث على إصرارنا ولا نسعى إلى الفعل بقدر ما نلتزم السلبية ونميل إلى الاستكانة وهو ما شجع دول 'استعمارنا' إلى الاستهانة بأصواتنا الخافتة بل والذهاب إلى ما هو أكثر، فهي غالبا ما دأبت على تحريك أصابعها الخفية في هذه الدولة أو تلك من خلال أجرائها، بالتدخل في هذا الأمر أو ذاك وغالبا ما تركب ملف حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية لتظهر بمظهر حامية الإنسان والقيم الإنسانية متناسية بأنها هي أول ما انتهك حرمة هذا الإنسان لمدة عقود وسجلت أعتى وأبشع الجرائم ضد الإنسانية من الجزائر إلى فيتنام إلى هيروشيما مرورا بتونس وليبيا والمغرب وغيرها من الدول التي عانت ويلات الاستعمار وبعضها لا يزال يعاني إلى اليوم فهذه بغداد تحترق والقدس تغرق ولا من سائل ولا من مجيب.
ألا يحقّ لتونس مثلا اليوم أن تطالب الحكومة الفرنسية بأن تعترف بجرائمها التي ارتكبتها في حق الشعب التونسي وتعويضه ماديا ومعنويا عن كل ما لحق به ؟ وأن تصر على موقفها هذا وأن تظل ثابتة ولا تتزحزح عن موقفها بل تذهب بمطلبها إلى أكثر من ذلك لتأسس لحركة دولية عالمية تضغط على الدول الاستعمارية للاعتراف بجرائمها ضدنا وتعويضنا ماديا ومعنويا وإلزامها بالكف عن تدخلاتها السافرة في شؤوننا الداخلية تحت يافطة الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ وفي هذا السياق نود أن نلفت الانتباه إلى أنّ ما يسمى 'الحرب على الإرهاب' و'الحركات المتطرفة' وبعض المنظمات التي تدعي أنها حقوقية أنها لا يمكن أن تكون إلا اليد الخفية للقوى الإمبريالية وعناصر من شبكاتها الاستخباراتية تحركها أنّى شاءت.
نحن اليوم في تونس نطالب صراحة فرنسا بأن تعتذر للشعب التونسي، وندعو كل الأصوات الوطنية الحرة بأن تنظم إلى صوتنا ولما لا تأسيس هيكل حقوقي يتكفل بمتابعة هذا الملف. نعرف اليوم أنّ هذا الأمر ليس بالهيّن ولا البسيط وقد يبدو أمرا مزعجا ولكن إصرارنا وثباتنا وإيماننا بقضيتنا سيجعل الأمر يسيرا أكثر مما نتوقع لإنّ هذه الدول لا تستمد قوتها إلا من ضعفنا. وفي المقابل فإن أصواتنا يمكن أن تضع ـ عاجلا - حدا لتدخلات هذه الدول في شؤوننا وتكف عن دور الرقيب أو ولي الأمر 'الحامي' الذي كان في حقيقة الأمر 'حراميا' طوال عقود ولا يزال يحنّ إلى رائحة الفوسفات والبترول والدم.