من الذي انتخب نجاد؟

من طرف **janesta** الإثنين يونيو 22, 2009 11:30 am

بعد خطاب أوباما في القاهرة الذي بدا لفظياً وللوهلة الأولى كأنه خطاب تغيير، وبعد التقارب السعودي السوري، وتهدئة الساحة اللبنانية، عبر تأجيل الحسم، ربما إلى ما بعد حل القضية الفلسطينية وفق الرؤية الأمريكية الأوبامية، كان من المؤمل أن تهدأ الساحة في إيران أيضاً، وأن تتمخض الإنتخابات الرئاسية فيها عن مجيء رئيس إصلاحي مُهادن، شبيه بالرئيس خاتمي في مرحلة سابقة، يقوم بتجميد البرنامج النووي الإيراني، وتخفيف الخطاب الثوري، وتهدئة اللعب، من أجل خلق أجواء مناسبة لإنجاح مساعي الرئيس الأمريكي، الذي تعهد بحل قضية الشرق الأوسط المركزية، وباعتماد نهج مختلف عن نهج بوش في التعاطي مع الملف الإيراني ومع أحداث المنطقة والعالم.
كانت كل الدلائل تُشير إلى امكانية حدوث هذا التغيير، خصوصاً وأن القيادة الإيرانية قد تعاطت سابقاً، وبكثير من المرونة مع النهج الذي عبر عنه أوباما، وأرسلت رسائل إلى الإدارة الإمريكية عدّها البعض رسائل غزل، وبأخذ ما تمخضت عنه الإنتخابات اللبنانية الأخيرة، وموقف سورية منها، وبالأخص فيما يتعلق بنتائج دائرة زحلة بالحسبان، فقد بدا للكثيرين أن أمر التغيير أصبح ليس ممكناً فقط، بل واقعاً يحتاج إلى إخراج مناسب، يعتمد قدراً من الإثارة يتناسب مع درجة التغيير.
لكن ما كان مأمولا لم يحدث، فقد قرر الشعب الايراني شيئاً آخر، وأعطى أصواته وبشكل لم يكن معهوداً إلى رئيسه المتواضع الذي كان على خصام مع الجميع تقريباً، ولكن ليس مع المواطن الإيراني الفقير والمسحوق، والذي إرتبط به، وعبر عن تطلعاته وطموحاته.
أمر لم يحدث سابقاً .. لم يذهب اي شعب بهذا الحجم، وهذه النسبة لإختيار رئيسه .. من الذي إنتخب أحمدي نجاد؟ قبل الإجابة على هذا السؤال، دعونا نذكر أن كل المناطق النائية والمعزولة في إيران الواسعة، لم تتشرف بزيارة مسؤول، حتى ولو من الدرجة الخامسة، ليس فقط في عهد الحكومة الإسلامية وإنما حتى في عهد الشاه، وأن الشخص الوحيد الذي زار كل قرى ومناطق إيران النائية والمحرومة، هو الرئيس أحمدي نجاد. لم يزرها فقط، بل أسهم في تقديم الخدمات لها، عبر ربطها بطرق مواصلات حديثة وإيصال الخدمات الضروية لها، تلك الخدمات التي كانت حلماً. ولنعرف شيئاً آخر إن نجادي يلقب في إيران بصديق الفقراء، لأنه إهتم بأمرهم وكان حريصاً على الوجود بينهم أكثر من حرصه على الوجود بين النخب، لذا فقد حاز حب سكان الأرياف، والفئات الوسطى ودون الوسطى، وفقراء ومستضعفي إيران، الذين عدوه واحدا منهم. ولما كان هؤلاء يشكلون ما نسبته أكثر من ثلثي سكان إيران، فقد كان من الطبيعي أن يُنتخب نجاد بهذه النسبة تقريباً.
نعم، لم يحز نجاد على اصوات الأغنياء والميسورين والمتنفذين، ولا حتى أغنياء المدن.. هذه حقيقة، فالأكثر من عشرة ملايين إيراني، الذين أعطوا صوتهم لممثلهم مير حسين موسوي هم عناصر فاعلة وإيجابية، وتشكل ثقلاً في المدن الكبرى، لكنها تظل أقلية بالنسبة للشعب الإيراني.
هل نضجت ثورة جديدة من رحم الثورة الأم؟ عدَّ البعض المناظرات التلفزيزنية بين الرئيس وخصومه جزءاً من العرض الضروري لجلب إنتباه الآخرين للحدث الإيراني الذي سيكون بداية التغيير المنتظر ، لكن المتمعن في هذه المناظرات لا بد له من أن يخرج مرغماً عن هذا النص، وعن دائرة هذه التصورات، فقد تناولت المناظرات ما عدَّ تصفية حساب بين إتجاهين وكسر عظم لا يُجبر. لأول مرّة يقف المراقبون على حقيقة الإختلاف بين الإتجاهين، وعمق هذه الإختلافات التي تناولت أموراً لم يكن بالإمكان تصورها، ليس فقط الفساد، والرشوة، وإستغلال الجاه والمنصب للإثراء، وإنما التزوير، والتناغم مع ما يقوله ويخطط له أعداء إيران. لقد أخذت المناظرات مديات غير متوقعة ولا مُتخيلة، ولم تقتصر على المناظرين، وإنما إمتدت لتطال شخصيات نافذة، ورموزاً كبيرة مثل الرئيس الإيراني الأسبق، ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، الشيخ هاشمي رفسنجاني. أكان نجاد يعلن نهايته، أم كان يعلن بداية ثورة أخرى، أشبه بالثورة الثقافية الصينية؟ مع هذا الكم من الفساد الذي تطرق إليه أحمدي نجاد أصبحت الثورة الإسلامية، والنظام الإسلامي في دائرة الإتهام، وبالتالي ليس من الممكن بعد أن قال نجاد ما قاله إلا إعلان ثورة ضد الفساد، فهل خوّل المرشد الأعAلى الرئيس الذي كان رئيساً سابقاً وأصبح رئيساً من جديد أن يقوم بتفجير هذه الثورة. هل ننتظر كثيراً لمعرفة الإجابة على هذا السؤال، أم الإجابة تعد الآن في طهران.