3 قضايا تلهب بيروت .. حزب الله والمال السياسي والتزوير

الهبت 3 قضايا شهدتها حملة الانتخابات البرلمانية اللبنانية الاجواء السياسية في البلاد فقبل ان يفجر حزب الله قنبلته في احتفالية السفارة الايرانية الخاصة بذكرى رحيل الخميني في بيروت كانت ادارة الدرك اللبناني قد شكلت فرقا متخفية اوكلت لها مهام اصطياد ما يمكن من بطاقات الهوية المزورة فيما كانت وزارة الداخلية تراقب بحذر الضجيج الذي سببه حضور المال السياسي القوي في العملية الانتخابية.

ولعل اللافت الاكبر كان موقف حزب الله الذي جاء ردا على تصريحات ايهود باراك والتدخلات الاميركية في الانتخابات اللبنانية واختار الحزب مناسبة للسفارة الايرانية (لما يحمله المكان من دلالات سياسية) وهي تحتفل بذكرى رحيل الامام الخميني ليقول للعالم"سنتسلح وليصرخ مجلس الأمن في الهواء". وبرز موقف نائب الامين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم عشية الانتخابات تعهد فيه استمرار التسلح.

وقال قاسم: "امام العالم بأسره نقول اننا سنتسلح وسنكون مقاومة مسلحة وسنحرر الارض بالسلاح فليأخذ مجلس الامن قسطا من الراحة والنوم وليخدّر نفسه اذا أراد لأنه لن يملي علينا ولا نريد منه شيئا واذا صرخ فصراخه سيذهب في الهواء". واضاف: نحن أصبحنا في مرحلة الرشد ، لن يكون لبنان ساحة لا لأميركا ولا لإسرائيل ولا لغيرهما. وقال: "أما بنادقنا فهي التي ستحرر الارض فلا يدافع عن لبنان الا الصاروخ والمدفع والقلب القوي وليعلم القاصي والداني انه بعد تجربتنا لدينا اقتناع بأن لا قيامة للبنان ولا صمود للبنان الا بمقاومته وجيشه وشعبه على قاعدة ان يكونوا أقوياء".

ومع تصاعد وتيرة الحملة الانتخابية اشتدت حدة المنافسة على شراء الأصوات بين متنافسين أعلنوا بوضوح عن انفسهم عبر المال مما جعل سخونة الحملة الانتخابية تطغى بأسلوب جديد على الحياة السياسية حيث اصبح كل شيء مباحا ، ويمكن استخدامه في الدعاية الانتخابية والمواجهة حاسمة لدرجة تبيح استخدام كل الاوراق الممكنة قبل نحو 3 ايام فقط من موعد الاقتراع.

حالة القلق والخوف التي تجتاح لبنان من نتائج هذه الانتخابات دفعت رئيس الجمهورية ميشيل سليمان الى مخاطبة الشعب اللبناني قائلا: "نحن نعرف انه سيكون بالنتيجة هناك رابح وآخر خاسر وتقارب النتائج بين الفريقين يدل على ديموقراطية واعية وكبرى في لبنان".

واضاف: "لا يجوز ان نزج هذه الديموقراطية في الاصطفافات السياسية والطائفية البغيضة وعلينا ان ندرك انه اذا كانت نتيجة الانتخابات 55 في المئة مقابل 45 في المئة فهذا يدل على مقدار كبير من الديموقراطية". وشدد على ان "الرابح له دور اساسي في تولي الحكم مع الحفاظ على الميثاقية الدستورية الموجودة في الطائف ، والخاسر عليه دور آخر في المراقبة والمحاسبة والمساءلة عبر المعارضة بحد ذاتها والمؤسسات الديموقراطية الاخرى".

وانضم البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير الى جانب رئيس الجمهورية ووجه نداء من بكركي الى اللبنانيين عشية الانتخابات دعاهم فيه الى "تجديد الثقة بالميثاق الوطني الفريد". وتضمن النداء مجموعة توصيات ابرزها "الاقبال على الانتخابات بمسؤولية" ، و"ممارسة الحرية الكاملة في الخيارات" ، و"التحلي بالمناعة الاخلاقية والصمود في وجه الاغراءات المادية والتأثيرات الخارجية التي تأخذ من الوطن ولا تعطيه" ، و"التنافس في جو حضاري يليق بسمعة لبنان وتقاليده العريقة" ، و"الاحتكام الى العقل لا الى العنف". واكد النداء ان "الكل سيكون مسؤولاً عن الكل تحت قبة المجلس النيابي الجديد".

اما على صعيد الاستعدادات الادارية واللوجستية للانتخابات ، فتواصل الاهتمام الرسمي امس بقضية تزوير بطاقات هوية. واجتمع رئيس الوزراء فؤاد السنيورة لهذه الغاية امس مع وزير الداخلية والبلديات زياد بارود. وتقرر في ضوء المعلومات المتوافرة والاجواء الراهنة اتخاذ الاجراءات الكفيلة بضبط الامور للتحقق من سلامة بطاقة الهوية لدى المواطنين الناخبين في كل مراكز الاقتراع بحيث تشمل هذه الاجراءات كل مراكز الاقتراع في كل الاراضي اللبنانية على نحو يكشف اي عملية تزوير.

وتتحدث المعلومات عن وجود نحو 10 آلاف بطاقة مزورة في دوائر زحلة وبعبدا والبقاع الغربي ، الامر الذي دفع وزارة الداخلية الى استيراد اعداد كبيرة من آلات لكشف التزوير لتوزيعها على جميع مراكز الاقتراع في محاولة لاجراء معالجة حازمة لهذا الموضوع بما يحول دون تأثيره على مجريات الانتخابات.

وأعلن وزير الداخلية اللبناني "أن هناك أنواعا من تزوير بطاقة الهوية لافتا الى ان وزارته احالت ملف هذه القضية على القضاء ، وأي التزوير لن يكون سهلا تمريره يوم الانتخاب بسبب تدابير اتخذناها سابقا وسنعلن التدابير غدا السبت. ومع انتهاء التحقيق سنعلن أسماء الذين يقومون بالتزوير". وشدد على "أننا سنكمل الى الآخر في ملاحقة المزورين".

ويتخوف اللبنانيون من صراع الحملات الانتخابية وما قد تقود اليه ويرجح بعض من تحدثت "الدستور"اليهم أن تعيد الانتخابات إنتاج الانقسام بين القطبين اللبنانيين (8 آذار 14و آذار) فتؤجج النزاعات بدل أن تحلّها ، إذ إن التهدئة التي وافق عليها الطرفان بعد اتفاق الدوحة أدت إلى تجميد خلافات سرعان ما عادت لتحتدم خلال الحملات وعند اقتراب موعد الانتخاب.ويسعى الطرفان إلى فرض موازين قوى ، كلّّ لصالحه ، تخوله الذهاب في خيارات سياسية مرتكزاً بذلك على شرعية شعبية جديدة. والموضوع الأهم يكمن في تشكيلة الحكومة الجديدة بعد الانتخابات.وهذا ما قاله ايضا زعيم التيار الوطني الحر ميشيل عون الحليف المسيحي القوي لحزب الله الذي اكد لـ "الدستور" ان مرحلة ما بعد الانتخابات هي الاهم ، منتقدا عملية شراء الاصوات الكبيرة التي اجتاحت لبنان من بعض الاطراف.

وقال هناك من يستغل وظيفته للتأثير في الناس واغرائهم. واستعمال المسؤول في الدولة رأيه يختلف عن استعمال المسؤول نفوذه. نافيا اقتراب تياره من هذا النهج مشيرا الى اننا لا نقدم الاغراءات ولا الوظائف ولا الاموال. ونتمنى على من يستعملون هذا الاسلوب ان يتوقفوا لاننا لن نرحم احداً".

أما في ما يتعلّق بالدوائر الانتخابية التي زات "الدستور" بعضا منها فان المعارك الأساسية ستتركز في الدوائر المسيحية ، إلا أن بعض الدوائر الأخرى ستشهد أيضاً شيئاً من هذا التنافس كصيدا وطرابلس. كما ان للتصويت الأرمني في بعض الدوائر دورا أساسيا من شأنه أن يرجّح الكفة لصالح أحد الفريقين ، خصوصاً في دائرتي المتن وبيروت الأولى.

وعلى صعيد القانون الانتخابي فقد ظهرت بعض اشكاليات التطبيق في هذا القانون وهو ما يعتبره البعض "قانون الاقتراع الاكثر طائفية" لانه يحمي مصالح القادة السياسيين ويضمن بقاءهم في الحكم مما يعني استمرارية "الحرب الأهلية الباردة" وهو الامر الذي كرس في الدوحة في ايار الماضي عندما استضافت اجتماع قيادات 14 اذار و8 اذار بمتابعة عربية اقليمية دولية وذلك اثر هجوم كشافة حزب الله على بيروت دفاعا عن سلاح المقاومة وما تسبب به هذا الهجوم من ضحايا بالارواح والفوضى الامنية العارمة.

وكان من اهم بنود التهدئة اعتماد قانون انتخابي محدد يعود الى نصف قرن مضى وهو قانون 1960 الذي ارضى الطرف الرابح على الارض في بيروت "حزب الله" بان ثبت له هذا القانون مقاعده البرلمانية ومقاعد اضافية لحلفائه من غير ان تطيح بالباقين وهو ما جرى تعريفه بنظام المحاصصة.ومع بدء العملية الانتخابية الجزئية امس والتي خصصت لمن جرى تكليفهم بالاشراف على مراكز الاقتراع يوم الاحد المقبل ، توجه الى الصناديق 11 الف موظف للادلاء بأصواتهم ، تنفيذاً لقرار وزارة الداخلية اتاحة الفرصة لهم للتصويت قبل ثلاثة ايام من موعد الانتخابات وقد جرت العملية الاولى لهذه الانتخابات دون مشاكل تذكر فيما احتفظت وزارة الداخلية بصناديق اقتراعهم في مبنى البنك المركزي ليصار الى فتحها مع بقية صنادق الاقتراع مع انتهاء العملية الانتخابية.

وشهدت بيروت امس ازدحاما كبيرا بسبب عودة خمسة آلاف لبناني من استراليا إلى وطنهم في رحلات سياحية ممولة من المرشحين ، ليدلوا بأصواتهم لهذا المرشح أو ذاك اضافة لاعداد أخرى ستنتقل من مهاجر أخرى إلى الى بيروت لترجيح كفة مرشحين من قوى سياسية معينة على مرشحين من فئة سياسية أخرى. وهي المرة الاولى التي تشهدها الانتخابات البرلمانية اللبنانية.

اما الاهتمام الدولي بهذه الانتخابات فتمثل في توافد مزيد من بعثات المراقبة الدولية للاستحقاق الانتخابي.وابراز من وصلوا بيروت لهذه الغاية الرئيس الاميركي سابقاً جيمي كارتر ليرئس الوفد الدولي لمراقبة الانتخابات التابع لـ"مركز كارتر".

اما على صعيد الحملات الانتخابية بين القطبين فقد انبرى النائب سعد الحريري أمام حشد من الأنصار في صيدا امس ليخاطبهم بلغة تعبوية استعادت أحداث السابع من أيار العام 2008 كمادة انتخابية دسمة لرص صفوفهم وتحذيرهم من مغبة انتصار المعارضة في الانتخابات ، وما سيكون لذلك من تداعيات على ثورة الأرز و"الحركة الاستقلالية" ومستعيداً إرث رفيق الحريري "في إعادة بناء الدولة وإرساء الاستقرار المالي الذي صمد أمام أضخم وأخطر أزمة عالمية بقي لبنان حتى الآن في منأى عن آثارها السلبية".

وذهب الحريري وعمته بهية ومرشحهما رئيس الوزراء الحالي فؤاد السنيورة إلى نعت ما قام به "حزب الله" وحلفاؤه في العاصمة اللبنانية قبل عام "بالعمل الجنوني". حريصين على استحضار تلك الأحداث وإدراجها في حملتهم الانتخابية.

لا محرمات ولا محظورات إذا ، على أبواب انتخابات يضع فريقا الصراع السياسي ثقلهما للفوز فيها استعداداً لجولة جديدة من الصراع السياسي الذي سيلي تلك الانتخابات .

من جهته كان "حزب الله" المطمئن إلى ساحته الانتخابية والمنشغل بحياكة حل لعقدة تصادم المصالح الانتخابية لحليفيه الجنرال ميشال عون والرئيس نبيه بري يخوض معركة إعلامية غير مسبوقة ضد تيار المستقبل ، ويبرز موقفاً سياسياً يطلقه من قلب احتفالات السفارة الايرانية.

أما الجنرال عون فقد بدا وهو يعرض "برنامجه الانتخابي" منجذباً إلى تعرية "زمن الوصاية" ورموزه دون تمييز بين خصومه وحلفائه ومستعيداً وقفاته ضد ما كان يسميه احتلالاً سورياً للبنان.

ويبقى "الصامت الأكبر" حتى الآن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لا يختلف في اطمئنانه إلى ساحته الانتخابية عن حليفه الشيعي "حزب الله" ، لكنه يتوجس من الاندفاعة الجامحة لـ"حليف حليفه" الجنرال عون.

سيمضي اللبنانيون الليالي التي تسبق موعد الانتخابات بمشاهدة أقطاب اللعبة الداخليين وهم يستعرضون عضلاتهم الانتخابية ويزعمون فوزاً مؤكداً فيها وهم يضعون ايديهم على قلوبهم من أوهام اللعبة الداخلية والهروب من الأسئلة الكبيرة.