خطاب الحرب.. وحرب الخطاب !

وكأن التاريخ يعيد نفسه . . بذات اللهجة وبذات الأدوات وبذات العقلية النرجسية الشرهة للقتل والإبادة وسفح الدماء . . ربما هذه المرة أعلن علي عبد الله صالح خطاب الحرب وهو يفقد أكبر حلفائه التاريخيين الذين تنكر لهم بذات الطريقة التي تنكر بها لقيم ومبادئ ومعاهدات الوحدة المذبوحة . . أعلن صالح الحرب الثانية على الجنوب، ولكن هذه المرة بجرأة أكبر من ذي قبل وترجمة علنية لنواياه والوقيعة التي مارسها بين الأشقاء بالأمس القريب . . ' ستتقاتلون من طاقة إلى طاقة' صالح هنا لم يقصد إخافة أبناء الجنوب بالفتنة، لأنه يدرك مدى سياج وحدتهم المتين وقوة كلمتهم اليوم قبل أي وقت مضى، لكنه أراد أن يوصل رسائل إقليمية ودولية بحثا عن قشة نجاة تنقذه.
هذا ما جعل أبرز صحف الرياض تدعو لسرعة نجدة الرئيس الملهوف بدعمٍ هذه المرة اعتبرته بعيدا عن نزعة الكرم الطاغي - كما وصفته - تفاديا للكارثة بعد خطابه الأخير الذي بدا وكأنه يخطب في الوداع على انحدار اليمن - طبعا والخليج - نحو الصومال والعراق. الزميل والكاتب اليمني الماوري كان جادا في تحذير الرياض من دعوتها لإغداق العطاء للرئيس 'صالح' واعتبر ذلك خطأ فادحا ستقع فيه دولٌ مسؤوليتها الحقيقية الأخذ بزمام المشكلة ومعالجتها.
وربما ما لم يثر انتباه الزميل الماوري أن كلمة 'الرياض' دعت إلى عقد قمة تجمع الرئيس اليمني صالح وزعماء الدول الخليجية و' أطراف الأزمة' لتفادي تطور الأحداث، وهنا ما يمكن أن نفهمه ومن غير تفسير أن كلمة 'الرياض' تنظر لأطراف الأزمة وبالطبع تقصد هنا قادة الحراك الجنوبي الذين يطالبون باستعادة الدولة الجنوبية والاستقلال أو ما وصفته الصحيفة بـ ' الانفصال' على أنهم أصحاب قضية ويجب الجلوس معهم على طاولة حوار بإشراف عربي ليفهم من ذلك أن قضية الشعب الجنوبي بنظر الرياض هي قضية ذات بعد خليجي بالأساس وربما عربي بالرغم من كل المصطلحات التي يحاول إعلام نظام صنعاء إلصاقها بحراك الجنوب السلمي من خلال وصف المتظاهرين والمحتجين الجنوبيين وقيادات الحراك السلمي بـ 'الخارجين عن القانون والدستور' و 'مثيري الشغب' ومن 'فقدوا مصالحهم' و 'العملاء' ووغيرها من المصطلحات التي يحاول نظام صنعاء من خلالها إيهام الأشقاء العرب أن هؤلاء ليس لهم قضية وهم مجرد أصوات نشاز خارجة عن القانون يجب أن يتم التعامل معها بلغة القمع والقوة حفظا لأمن ومصالح البلد والمنطقة كما ادعى طارق الشامي في اتصال مع قناة 'الجزيرة' الفضائية.
وبالطبع هذا ما لا تراه دول شقيقة كبرى مثل السعودية وقطر والإمارات والكويت وحتى مصر وسورية، حيث وأن سياسات الرئيس صالح قد أرهقت وكلفت العرب قبل اليمنيين خسائر كبيرة. لم يكن خطاب الحرب هو ما لفت الانتباه فحسب، فدخول عدد من وسائل الإعلام العربية على خط الأزمة كان مثيرا لحفيظة صنعاء، وهو ما جعل إعلامها يشن هجوما قاسيا ومدفوع الثمن على قناة 'العالم' الإيرانية عندما نقلت خبرا بشفافية مطلقة تضمن تصريحا لأحد قيادات (تاج) في الخارج، بل دفع بتحرك سياسي كبير لإقناع إيران بحذف الخبر من على موقع القناة الإخباري على الانترنت وهو ماتم بالفعل. قناة 'العربية' أيضا كانت في اليوم الأول من إعلان الحرب الثانية على الجنوب قد بثت تقريرا يرتقي لحد الحياد نوعا ما وهو ماجعل أحد مقدمي نشرات الأخبار يرد على الشامي عندما وصف المحتجين بالقلة والشرذمة 'وماذا تقول في مئات الآلاف من الجنوبيين الذين يخرجون للشوارع' وهو ما ألجم ادعاءات الشامي، وجعله يقر بصحة ما قاله المذيع ليجيب عليه إجابة تفتقد للدبلوماسية السياسية' عدد سكان اليمن 22 مليون 'طبعا رد المذيع على طارق الشامي قائلا 'كل ما ذكرت يثــبت للمشاهد بأننا لا نهول الأحداث'.
لكن ما اثار اندهاش الكثير من المتابعين هو تقرير ضابط الأمن السياسي حمود منصر لقناة 'العربية' الذي حاول أن يصور الأحداث بالهادئة، وأن لا وجود أبدا لدعاة 'الانفصال' على حد وصفه.
وفيما كان موقع 'العربية نت' ينشر طيلة الايام الماضية مقالات وتحاليل تختص بأحداث الجنوب كان القائمون على الموقع يمارسون سياسة القص لعشرات التعليقات التي تحمل مصطلحات جنوبية رغم أن البقية الباقية من التعليقات كان أغلبها وبنسبة 65 ' يؤيد مطالب الشعب الجنوبي. قناة 'الجزيرة' بدورها حاولت الوقوف على الحياد إلى حد ما، وطرحت مختلف الرؤى على شاشتها وصفحاتها الإلكترونية في انفتاح واضح تجاه ما يحصل في الجنوب في الوقت الذي تخطت عدد من وسائل الإعلام العربية حاجز التردد ونقلت الحقيقة على أتم وجه.. 'القدس العربي' مثالا.
خطاب حرب صالح وحرب الخطاب الإعلامية يحتم على قيادات مكونات الحراك الجنوبي العمل بطرق مؤسسية تنظيمية تكتيكية واسعة واتخاذ أسلوب الحكمة وفق الاستراتيجيات المرسومة لتحقيق الأهداف التي أصبحت بمتناول اليد.. حد وصف المناضل أحمد عمر بن فريد.

ميرسي جانيستا علي المجهود