المواضيع الأخيرة
بحـث
في الحرية والاستبداد ونظام حكم الحزب الواحد
4 مشترك
نســــــــــــــــــــــايــــم :: السيـاســــه... POLITCS :: قســم المواضيع السياسيه... POLITC TOPICS
صفحة 1 من اصل 1
في الحرية والاستبداد ونظام حكم الحزب الواحد
في كتابه الذي أصبح أحد كلاسيكيات العلوم السياسية، 'الأحزاب وأنظمة الأحزاب'، أكد جيوفاني سارتوري أن الانتقال من حكم الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية لا يمكن أن يحدث بدون قطيعة، بدون انفجار ما يضع حداً للسياق الأحادي ويفتتح الطريق نحو السياق التعددي.
عندما نشر كتاب سارتوري في منتصف السبعينات كان الفكر السياسي الغربي مشغولاً بعملية الانتقال الديمقراطي، ليس في بعدها الشيوعي وحسب، والحرب الباردة بوجوهها المتعددة آنذاك في ذروتها، ولكن أيضاً في دول مثل إسبانيا والبرتغال وعبر القارة الأمريكية اللاتينية، التي كانت تعتبر جزءاً من المجال الغربي الليبرالي أو حديقته الخلفية. ما كان يعنيه سارتوري بالقطيعة، يمكن أن يفسر بتعبيرات متعددة؛ فالقطيعة بين مسارين أو نظامين يمكن أن تحدث بفعل ثورة شعبية، بفعل تدخل لاداة العنف الرئيسية في الدولة، أي المؤسسة العسكرية؛ أو حتى بخلل كبير في توازن القوى الذي يستند إليه نظام الحزب الواحد، يؤدي تلقائياً إلى انهيار النظام.
تتعلق هذه التعبيرات، الذي هي تعبيرات واقعية بالتأكيد وليست احتمالات نظرية وحسب، بمقاربتين رئيسيتين لمؤسسة الدولة. تقول المقاربة الأولى ان الدولة هي كائن داخلي مستقل بذاته، يتوالد بفعل موروثاته الخاصة، متعالياً على كافة مؤسسات الاجتماع الأخرى، وإن خضع لمؤثراتها. أما المقاربة الثانية فتقول بأن الدولة هي جزء من نظام عالمي، ولدت من حضن هذا النظام وتخضع موضوعياً لتقلباته. ولا تقتصر هذه المقاربة في رؤية الارتباط بين الدولة وأنساق العلاقات العالمية، الاقتصادية والسياسية، على الدول الصغيرة، أو دول عالم الثالث، التي تبلورت مؤسسات دولها الحديثة في فترة لاحقة لتبلور مؤسسة الدولة الحديثة في الدول الغربية الرئيسية، ولكن في هذه الأخيرة أيضاً. فأغلب دول أوروبا الغربية هي نتاج التحولات الهائلة في الخارطة العالمية منذ تصاعد الإمبريالية الميركنتالية في القرن السادس عشر. والحقيقة أن مؤسسة الدولة هي تعبير عن المقاربتين معاً، وأحياناً في وقت واحد؛ هي كيان داخلي مستقل ومتعال، وترتبط ارتباطاً حيوياً بالنظام العالمي. في ظرف ما، وفي ظل شروط معينة، يكون الداخل هو المحدد الأبرز والأهم؛ وفي ظروف وشروط مختلفة، يصبح النظام العالمي أكثر أهمية في توكيد شرعية الدولة واستقرارها.
وهذا ما يجعل القطيعة التي يؤكد عليها سارتوري ذات أكثر من احتمال. عندما تأخذ القطيعة سمة الثورة الشعبية، يكون الشرط الداخلي أساسياً لإنضاج قوى وظروف انفجار الثورة. وبالرغم من أهمية الشرط الخارجي فهو بالتأكيد أقل تأثيراً؛ إذ حتى لو أن النظام العالمي ظل على مساندته لنظام الحكم الذي تستهدفه الثورة، فمن الصعب على قوى الخارج التدخل لمساندة حكم يواجه ثورة شعبية شاملة. وربما تصلح الثورة الإيرانية مثالاً على مثل هذه القطيعة؛ فبالرغم من أن قوى متعددة في الوضع الدولي لم تكن تريد سقوط نظام الشاه، فقد تسببت الثورة الشعبية، من ناحية، وقواعد الحرب الباردة، من ناحية أخرى، في إحداث ارتباك كبير في العواصم الغربية، التي أحجمت في النهاية عن التدخل لحماية نظام حكم حليف وقف الملايين من أبناء شعبه في مواجهته. ولكن القطيعة يمكن أن تحدث أيضاً بفعل خلل في ميزان القوى الذي يرتكز إليها الحكم. بعض الدول الشيوعية الأوروبية لم تتطلب أكثر من تظاهرة شعبية واحدة لتنهار، بعد أن انهارت قواعد الكتلة الشيوعية الأوروبية ككل، وأصبح واضحاً أن لا قوات حلف وارسو ولا الاتحاد السوفييتي ستتدخل لحماية وجود هذه الأنظمة.
بيد أن السؤال الذي لابد أن يطرح هو لماذا القطيعة، لماذا لا يمكن أن يتم الانتقال في شكل سلمي، تطوري طبيعي وسلس، وتلقائي؟ في قراءته لنظام حكم فرانكو في أسبانيا، ميز خوان لينز بين نظامين استبداديين للحكم: نظام الحكم التسلطي، ونظام الحكم الشمولي. يستند النظام الشمولي إلى إطار أيديولوجي، صاغه مثقفون أو أشباه مثقفين، ويتسم بتماسك فرضياته، بعقلانية ومنطقية هذه المعطيات، وبوضوح الغاية التي يستهدفها. ولأن الإطار الأيديولوجي يستبطن مسوغات عقلانية ويفترض الصواب المطلق، فإن من الطبيعي أن يحاول استيعاب الكل الاجتماعي ويعيد صياغته من جديد. في بعض مراحل التاريخ الستاليني السوفييتي، أرسل النظام معارضيه للمستشفيات العقلية وليس للسجون، على افتراض أن من يرفض المادية التاريخية هو مريض عقلياً، وليس بالضرورة مجرماً سياسياً. نظام الحكم التسلطي، من ناحية أخرى، يرتكز إلى نوازع وأنماط فهم، وليس إلى منظومة أيديولوجية عقلانية ومتماسكة، وهذه الأنماط والنوازع هي في جوهرها انفعالية، تعكس أهواء وتوجهات نفسية، لا يمكن دائماً تفسيرها أو تسويغها منطقياً. هذا لا ينفي بالطبع أن النظام التسلطي قد يلجأ أحياناً إلى مبادىء تبدو وكأنها ذات محتوى شبه أيديولوجي، ولكن في مثل هذه الحالة يتم طرح هذه المبادىء في شكل براغماتي بحت، بحيث يصعب أن يتبنى النظام تعريفاً واحداً ومستقراً لها.
على سبيل المثال، في خطاباته أثناء حرب الاستقلال (1921-1922)، عبر مصطفى كمال عن فهمه للشعبوية (التي ستصبح إحدى مبادىء الجمهورية التركية)، من زاوية أقرب للتوجهات الاشتراكية؛ ولكن ما إن حل عقد الثلاثينات، واستقرت قواعد حكم الحزب الواحد، حتى أصبحت الشعبوية مجرد تعبير آخر عن المواطنة والمساواة أمام القانون. ويلاحظ أن نظام الحزب الواحد في مصر الستينات قدم تعريفه الخاص للاشتراكية؛ بينما يصعب اكتشاف ما إن كان هناك تعريف واحد للدستورية في تونس، أو ما إن كان هذا التعريف يعني شيئاً ملموساً الآن. وتحمل رواية الصحافي يعقوب قادر كاراعثمانوغلو، الذي كان مقرباً من مصطفى كمال، لمحادثة مع الرئيس التركي، دلالات واضحة لما تعنيه المبادىء شبه الأيديولوجية للحكم التسلطي. يذكر كاراعثمانوغلو أنه أشار يوماً لكمال، قائلاً: 'سيدي الجنرال، إن حزبنا حزب الشعب الجمهوري لا يحمل مبادىء عقدية'. فرد كمال مؤكداً: 'بالطبع يا بني. إن كان لدينا مبدأ عقدي فسنجمد الحركة.' الاستبداد، بكلمة أخرى، لا يتجلى في صورة نظام شمولي ايديولوجي وحسب، بل وفي نظام تسلطي لا يستطيع، ولا يرغب في، أن يحمل أعباء الأيديولوجيا أيضاً. والحقيقة، أن القطيعة مع استبداد النظام التسلطي قد تكون أصعب من القطيعة مع النظام الشمولي؛ إذ أن المواجهة الإيديولوجية لا تكفي لتقويض نظام تسلطي هو في طبيعته رخو المحتوى الأيديولوجي، أو أنه بغير هذا المحتوى أصلاً.
دودو- عضو متميز
-
عدد الرسائل : 4345
العمر : 35
نقاط : 3124
تاريخ التسجيل : 02/02/2009
رد: في الحرية والاستبداد ونظام حكم الحزب الواحد
جاء الانتقاد الرئيس لمقولة سارتوري حول القطيعة من أكاديميين أتراك وعالمثالثيين. وقد نشر إرغون أوزبودان في الذكرى المئوية لميلاد مصطفى كمال (1981) مقالة حول النظام الأتاتوركي أوضح فيه في شكل كاف كيف انتقلت تركيا، في شكل تلقائي، تطوري، وسلس، في نهاية الحرب العالمية الثانية، من نظام الحزب الواحد إلى النظام التعددي، برضا واتفاق الطبقة الحاكمة من حزب الشعب الجمهوري.
ليس ذلك وحسب، بل ان حزب المعارضة الرئيسي، الذي ولد عشية الإعلان عن الانتقال للنظام التعددي، الحزب الديمقراطي، سرعان ما فاز في انتخابات 1950، وحكم تركيا طوال عقد كامل، بعد أن فاز في حملتين انتخابيتين أخريين. في المظهر فقط، تبدو مقولات أوزبودان صحيحة؛ ولكن في ضوء الانقلابات العسكرية الثلاث التي تعرضت لها تركيا من 1960 حتى نهاية القرن العشرين، وفي ضوء نتائج التحقيقات الدائرة التي تتناول شبكة أرغينيكون السرية، يمكن الاستنتاج بأن تركيا لم تنتقل انتقالاً حاسماً وحقيقياً، في منتصف الأربعينات، من نظام الحزب الواحد التسلطي إلى نظام حكم تعددي. خلف التعددية الحزبية، في عمق المشهد السياسي التركي، كان هناك دائماً ثمة قوى تقبض على المقاليد الفعلية للدولة، بغض النظر عن الحزب الحاكم. وكلما تجاوزت الأحزاب الحاكمة حدود ما تسمح به القوى العميقة للدولة، تتحرك الأخيرة في صورة انقلاب عسكري مباشر أو غير مباشر لتعيد الأوضاع إلى نصابها. مثل هذه الازدواجية المستديمة للحكم والسلطة يمكن، ربما، تفسيرها، بأن القطيعة التي قال بها سارتوري لم تحدث مع نظام الحزب الواحد، وأن الأخير تطور للانسجام والتأقلم مع مظهر التعددية الحزبية، تأقلم فقط ولم يختف. بهذا المعنى، يمكن الاستنتاج بأن التعددية الحزبية التركية لن تتحقق بدون استئصال الدولة العميقة، سيما أن النظام العالمي الذي كانت تستند إليه لم يعد يرغب في التماهي معها. ما ينطبق على تركيا، ينطبق أيضاً على الجزائر، حيث لم تستطع الثورة الشعبية أن تقوض نظام الحزب الواحد في نهاية الثمانينات، واستطاع النظام التسلطي أن يعيد بناء نفسه لينسجم على نحو ما مع مظهر التعددية الحزبية؛ وعلى مصر كذلك.
ما الذي يعنيه هذا كله للجدل الدائر في الساحة السياسية العربية حول الحرية والاستبداد، حول النظام التسلطي والتعددية الحزبية؟ الواضح، أولاً، أن أغلب الأنظمة العربية هي أنظمة تسلطية، تحكم من خلال سيطرة الحزب الواحد، بدون أي وجود حزبي، أو من خلال تعددية حزبية مظهرية. خلال العقود القليلة الماضية، لم تعد أي من الدول العربية تحرص على وجود محتوى أيديولوجي أو شبه أيديولوجي لنظام الحكم. هذه أنظمة حكم تسلطية سافرة.
ثمة دول عربية تستمد استقرار سيطرتها التسلطية من شبكة علاقات قوى داخلية بدرجة أولى ومن النظام العالمي الذي ترتبط به بدرجة ثانية؛ بينما تنعكس أولوية كل من هاتين الركيزتين في دول أخرى. في النهاية، على القوى العربية السياسية أن تتخلص من أوهام الانتقال التطــوري، العقلاني، السلس، من التسلطية إلى التعددية. إن لم تحدث قطيعة كاملة وحاسمة مع نظام الحكم التسلطي، فلن يمكن التخلص من الاستبداد، وسيقوم هذا النظام بإعادة توليد نفسه، على نحو أو آخر.
دودو- عضو متميز
-
عدد الرسائل : 4345
العمر : 35
نقاط : 3124
تاريخ التسجيل : 02/02/2009
janesta- مــديـر عـــام
-
عدد الرسائل : 17577
العمر : 38
نقاط : 16564
تاريخ التسجيل : 27/01/2009
رد: في الحرية والاستبداد ونظام حكم الحزب الواحد
دودو
مجهودك مميز ورائع
مجهودك مميز ورائع
reem- المشرف العام
-
عدد الرسائل : 9539
نقاط : 9022
تاريخ التسجيل : 29/01/2009
دودو- عضو متميز
-
عدد الرسائل : 4345
العمر : 35
نقاط : 3124
تاريخ التسجيل : 02/02/2009
رد: في الحرية والاستبداد ونظام حكم الحزب الواحد
اهلا جانيستا
دودو- عضو متميز
-
عدد الرسائل : 4345
العمر : 35
نقاط : 3124
تاريخ التسجيل : 02/02/2009
رد: في الحرية والاستبداد ونظام حكم الحزب الواحد
اشكرك علي التحليل الدقيق دودو
تحياتي
باسم- عضو
- عدد الرسائل : 20
نقاط : 22
تاريخ التسجيل : 08/04/2009
دودو- عضو متميز
-
عدد الرسائل : 4345
العمر : 35
نقاط : 3124
تاريخ التسجيل : 02/02/2009
مواضيع مماثلة
» كاريكاتير الحرية الامريكية
» لبنان : الضباط الأربعة .. الحرية أول الحقيقة وآخرها
» محاولة جديدة لاغلاق الحزب الحاكم في تركيا
» تركيا: ثبوت تورط مسئول كبير بالجيش في مؤامرة لتدمير الحزب الحاكم
» انتخاب التكريتي خلفا للهاشمي في قيادة الحزب الاسلامي
» لبنان : الضباط الأربعة .. الحرية أول الحقيقة وآخرها
» محاولة جديدة لاغلاق الحزب الحاكم في تركيا
» تركيا: ثبوت تورط مسئول كبير بالجيش في مؤامرة لتدمير الحزب الحاكم
» انتخاب التكريتي خلفا للهاشمي في قيادة الحزب الاسلامي
نســــــــــــــــــــــايــــم :: السيـاســــه... POLITCS :: قســم المواضيع السياسيه... POLITC TOPICS
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة مايو 06, 2011 9:36 am من طرف nada22
» برنامج يعمل اجنور للروم كلة تبع الياهو
الخميس سبتمبر 02, 2010 2:06 am من طرف MELAD89
» موت آخر أمل
الخميس أغسطس 19, 2010 9:41 am من طرف hady22
» ممكن ؟
الخميس أغسطس 19, 2010 9:38 am من طرف hady22
» تسرب المياه يكشف عن وفاة عجوز قبل 5 أعوام
الثلاثاء يوليو 27, 2010 2:08 pm من طرف janesta
» استراليا تكتشف ثلاثة ديناصورات كبيرة جديدة
الثلاثاء يوليو 27, 2010 2:07 pm من طرف janesta
» بحيرة طبرية تتناقص...... صور
الثلاثاء يوليو 27, 2010 2:06 pm من طرف janesta
» منزل بدولار واحد في الأسبوع في بلدة أسترالية
الثلاثاء يوليو 27, 2010 2:04 pm من طرف janesta
» برنامج دس كونكت باميلات بوت خطييير جدا
الثلاثاء مايو 11, 2010 10:27 pm من طرف شادى
» اقفل اميل الى مديقك فى ثوانى 123 بوووووووم
الثلاثاء مايو 11, 2010 9:47 pm من طرف شادى
» اطرد كل الى فى الروم فى 3 ثوانى مش مبالغة
الثلاثاء مايو 11, 2010 9:34 pm من طرف شادى
» أدخل حمل برنامج تسجيل صوت كل شيء على الجهاز الكمبيوتر
الأربعاء فبراير 10, 2010 10:08 am من طرف فوفو العنزي
» اعرف الى قدامك اون لاين ولا افلاين من غير برنامج وكمان اعرف
الثلاثاء فبراير 09, 2010 8:57 pm من طرف حنان
» برنامج Many cam 2.3
السبت فبراير 06, 2010 6:58 am من طرف البندري
» برنامج بوت قوى ويشتغل ب100 اميل بس
الخميس فبراير 04, 2010 11:24 pm من طرف thehandsome