العرب وتيجان الريش

من طرف **janesta** الأحد أبريل 05, 2009 7:12 am

توجهت للنادي مع اصدقائي، حيث كانت (الاوتوبيسات) تنتظر لنقلنا الى مكان اقلاع الطائرة التي سنقفز منها، وكانت رياضة القفز بالمظلة ليست مشهورة، وهناك جاءنا خبر الغاء القفزة . لم يشر اي من المسؤولين بالنادي الى سبب الالغاء ولكننا عرفنا في اليوم التالي مع نشر خبر قيام انقلاب على الحكومة المدنية المنتخبة بالسودان عام 1989 . كانت العلاقات متوترة للغاية بين النظام المصري والنظام السوداني الذي الغى اتفاقية وادي النيل، وبدأ يخط لنفسه سياسة مستقلة . كان قائد الانقلاب معروف لدى الدوائر الحاكمة المصرية فهو خريج كلية اركان الحرب المصرية، ذلك كان الجنرال عمر البشير، ومن هنا كان قرار القيادة المصرية بدعم الانقلاب ضد حكومة الصادق، ونقلت مساعدات عسكرية عاجلة بواسطة طائرات ال c 130 وc 140 وهي الطائرات التي تستخدم في القفز بالمظلة لانها طائرات نقل افراد او معدات .
ندم النظام المصري بعدها بعد ان اختار النظام السوداني بقيادة البشير ان يتحالف مع الجبهة الاسلامية القومية رغم اعتقال زعيمها د. الترابي في اول ايام الانقلاب مع كل من تم اعتقالهم . وظل النظام السوداني على رأس اعداء النظام المصري، خصوصا بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري باديس ابابا، والتي اتهمت مصر فيها السودان بايواء العناصر المخططة والمنفذة لها .
لكن هذا العداء تراجع بعد انقلاب النظام السوداني على حلفائه الاسلاميين وطرده لكل عناصر الجماعات الاسلامية من ارضه والتي ضمت يوما الدكتور ايمن الظواهري، والشيخ اسامة بن لادن، وحتى د. الترابي تم تجريده من كل مناصبه ووضعه رهن الاقامة الجبرية .قام النظام السوداني بمحاولات تقرب الى الغرب، ووافق على مبدأ انفصال الجنوب بعد فترة انتقالية يعقبها استفتاء .

دارفور

ازمة دارفور قديمة ولها جذور تصل الى ماقبل قيام دولة السودان، اذ قامت فيه سلطنة قوية نسبت الى اشهر قبائلها ' الفور ' ولكن الظروف المناخية التي دفعت بعض الجماعات الرعوية للهجرة من الشمال الى الغرب الدارفوري الزراعي، ساهمت في اندلاع النزاع المسلح عام 2003. نجحت حكومة الخرطوم في استمالة احدى الجماعات الثائرة والمعروفة بالجانجويد ودعمتها، قامت ميليشيات الجنجاويد، باعمال قتل ونهب واغتصاب واسترقاق شملت مئات الالاف ونتجت عنه ازمة انسانية هي الاعنف في العقد الحالي وتشرد اكثر من مليون . من يحاول تصوير الامر وكانه صراع اثني، هو يرتكب نفس الخطأ الذي صور النزاع بين الشمال والجنوب كنزاع ديني بين شمال مسلم وجنوب مسيحيي، ولم يكن كذلك فالجنوب في اغلبه وثني والشمال يعيش فيه اغلب مسيحي السودان، وكذلك النزاع الدارفوري، ليس صراعا بين اثنية عربية واخرى افريقية، فقبائل دارفور لم تعرف تلك العنصرية وصعب التفريق بين ابنائها في الشكل نتيجة انتشار التصاهر بين القبائل المختلفة .
النزاع سياسي وحله في توزيع عادل للثروات الطبيعية . التدخل الغربي استعماري بامتياز وليس له اي وجه انساني، فآخر ما يهم الحكومات الغربية هو حياة هؤلاء البؤساء .
لكن في ادانتنا لهذا التحرك الاستعماري الغربي، علينا ان لا ننسى ان مساهمة ثلاثة انظمة في الامر غير المسبوق باعتقال رئيس السودان نظام حسني مبارك ونظام ال سعود ونظام البشير نفسه فالنظامان المصري والسعودي هما عرابيا الخضوع والتبعية والانحناء امام الرغبات الغربية الاستعمارية، والنظام السوداني تحول من خدمة شعبه لخدمة بقائه وسلامته الشخصية . يبدو انه مكتوب على العرب ان يكونوا الحائط المائل للمجتمع الدولي، فعندما ارادت الولايات المتحدة استعادة ماء وجهها الذي اريق في مانهاتن بانهيار برجي نيويورك، اختارت ان تحتل وتدمر اكبر واقوى دولة عربية وهي العراق . و اليوم وهي تعيد خريطة المنطقة بعد ان ثبت خطأ تقسيمها الاول في' سيكس بيكو ' قررت ان تبدأ بالسودان .
مستشارو الرئيس البشير عليهم ان لا يترددوا في ابداء النصح لرئيسهم البشير، فتحركاته الاخيرة غير حكيمة مطلقا، سواء ظهوره امس مرتديا تاجا من الريش وهو نذير سوء، اذ يضعه في خانة الهنود الحمر الذين خسروا حربهم امام الاوروبي الاستعماري، كما ان تصريحه اليوم بان المجتمع الدولي وقراراته تحت جزمته، لن ينتهي الا بسودان غارق في حرب اهلية على غرار العراق الامريكي الحالي .
كما ان طرده للمنظمات الدولية العاملة في السودان، رغم قناعتي ان بعضها ليس بريئا مطلقا، لكن الطرد عندما يأتي ردا على قرار اعتقاله، فهو يعطي صورة ان سلامته الشخصية هو ما يحركه وليس مستقبل الشعب السوداني .