السعودية والحلول المؤقتة

من طرف **janesta** الإثنين مارس 30, 2009 1:50 am

المملكة العربية السعودية لا تحتل مكانة متقدمة على سلم الشفافية، خاصة عندما يتعلق الأمر بامورها الداخلية المتعلقة بالاسرة الحاكمة وترتيبات الحكم، والعلاقات بين الامراء الكبار، فهذه من الاسرار الاستراتيجية التي لا يجب ان يطلع عليها، او يقترب منها اي فضولي، خاصة في وسائل الاعلام العربية.
قبل ثلاثة ايام فاجأ العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز مواطنيه، مثلما فاجأ العالم بأسره، عندما اصدر مرسوما بتعيين الامير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، وهو المنصب الذي ألغاه منذ توليه العرش رسميا اثر وفاة الملك فهد بن عبد العزيز وتولي الامير سلطان الذي كان يشغله، ولاية العهد.
مصدر المفاجأة ان خطوة التعيين هذه جاءت لتتوج الامير نايف رجلا ثالثا في ترتيب الحكم، وتقربه خطوة اكبر الى منصب ولاية العهد الذي يتطلع اليه، ويعتقد انه الأحق في توليه بحكم خبرته الطويلة كوزير للداخلية، ويعتقد الكثيرون داخل المملكة وخارجها، انه الحاكم الفعلي للبلاد.
رصيد الامير نايف الأبرز يتمثل في سيطرته على الأوضاع الداخلية في البلاد في مرحلة من اصعب مراحل اضطرابها، خاصة بعد احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، وزيادة نفوذ المد الديني المتشدد وتصاعد عمليات تنظيم 'القاعدة' وانصاره داخل المملكة.
ويؤكد العارفون ببواطن امور المملكة، ان الامير نايف وابنه الامير محمد تعاملا بفاعلية مع العناصر المتشددة واستطاعا الحد من نفوذها، وقاما في الوقت نفسه، باتباع حلول غير امنية موازية، اي ما يسمى 'بالمناصحة'، اي محاولة اعادة تأهيل من يتم اعتقالهم بتهم التشدد الديني، او التخطيط لعمليات 'ارهابية' حسب التسمية الرسمية.
المشكلة تكمن في ما يمكن ان يترتب على هذه الخطوة من نتائج في اوساط الطامحين في منصب ولاية العهد، سواء من أبناء الملك عبدالعزيز المخضرمين من غير السديريين مثل الأمراء مشعل ومتعب ومقرن وطلال وسلمان، أو من ابنائهم الجيل الثاني المتعلم في الخارج، أمثال الأمراء تركي الفيصل وشقيقه خالد، والوليد بن طلال، وخالد بن سلطان، وعبدالعزيز بن عبدالله وغيرهم.
الأمير طلال بن عبدالعزيز الذي يعتبر من أكثر أبناء عبدالعزيز ثقافة وجرأة في الحديث عن شؤون البيت الداخلي، كان الوحيد تقريباً الذي انتقد خطوة الملك عبدالله هذه، وطالبه بتفسيرها وتبيان مدى تعارضها أو توافقها مع مرسوم سابق بتأسيس هيئة البيعة المكلفة باختيار ولي العهد الجديد.
انتقاد الأمير طلال في محله تماماً، فهيئة البيعة تأسست من قبل الملك عبدالله لوضع حد لتقليد متبع، وهو تولي أبناء عبدالعزيز منصبي الملك وولي العهد حسب الاقدمية في السن، واستبدال هذا العرف بهيئة تتولى اختيار المؤهل لهذا المنصب من بين ثلاثة أسماء يرشحها الملك، على أن تكون معايير الاختيار هي الكفاءة والصلاح.
وايا كانت وجهات النظر، فإن اقدام الملك على هذه الخطوة جاء من قبيل الاضطرار. فالامير سلطان ولي العهد مريض بالسرطان، واجريت له عمليتان لاستئصال أورام خبيثة، ولم يعد إلى البلاد منذ أربعة أشهر، والملك مضطر للسفر إلى الخارج، سواء لحضور القمة العربية في الدوحة أو قمة العشرين في لندن، ومن غير المنطقي ان يغادر البلاد دون توكيل شخص بادارتها في غيابه.
تعيين الأمير نايف رجلاً ثانياً في ظل غياب الأمير سلطان ربما حل مشكلة دستورية بشكل مؤقت، ولكنه قطعاً سيفتح الباب أمام خلافات، بل ربما صراع بين الأجنحة المتنافسة. ولكن حل مشكلة ولو بشكل مؤقت هو حل أفضل، وعامل استقرار في بلد يعتبر واحدا من البلدان الأكثر أهمية في المنطقة وربما العالم.