قناة السويس.. من ممر مائي دولي إلى بركة أسماك

إعلان وزير النفط والثروة المعدنية السوري عن التباحث مع إيران حول النفــــط والغاز وسكك الحديد، وبناء أنبوب غاز ونفط من ايران (حقول الأحــــواز) عبر العراق الى سورية فشواطئ البحر المتوسط، يؤمل تنفيذه في القريب العاجل، الإعلان ينسجم مع تقارير نشرتها صحيفة Asia Times المتميزة في الشؤون الاستراتيجية في 14 آب (أغسطس) 2003 تحدثت عن تغييرات استراتيجية قادمة على المنطقة العربية ستغير وجهها اللوجستي (شبكة المواصلات).
وأشار الوزير السوري إلى وجود شبكة انابيب داخل العراق تمتد من البصرة وكركوك الى بانياس داخل سورية، لكن هذه الخطوط بحاجة الى اعادة تأهيل واصلاح، وهذا ما اتفق عليه مع الاشقاء العراقيين، وعندما تصبح جاهزة سيكون هناك مجال لربطها بالشبكة الايرانية القريبة منها، وامكانية تصدير النفط الإيراني عبر الموانئ السورية.
إيران الواقعة على مفترق طريق الحرير القديم، والتي تتراجع مواردها النفطية، تعمل على استعادة دورها التاريخي كعصب لشبكة المواصلات بين آسيا وأوروبا، وبين تخوم الهند والبحر المتوسط، عن طريق إنشاء شبكة وطنية واسعة من سكك الحديد والطرقات والجسور والأنفاق، وربطها بشبكات الدول المجاورة.
الطموح الإقليمي الإيراني صعب ـ بحسب الخبراء ـ لكنه قابل للتنفيذ، تذللـه الجغرافية السياسية الجديدة الناشئة في شرق المتوسط بعد احتلال العراق، وقد بلغ معدل ما أنجزته إيران من سكك حديد في العام الواحد في الفترة ما بين 2000 2003 خمسمائة كيلومتر، وقد فرغت من مد 3000 كيلومتر.
المنطقة العربية التي استهلت القرن الماضي بتفكيك أمنها الإقليمي، وتدمير بناها اللوجستية الإقليمية، ولم تكترث طوال تسعة عقود بإصلاح الخلل الاستراتيجي، هذه المنطقة جعلت نفسها مكاناً طبيعياً لمشاريع الغير، وما تفعله إيران مسألة حتمية الحدوث.
إعلان الوزير السوري ينسجم مع مشروع خط حديدي يأتي من قلب آسيا ويشق أحشاء المنطقة الرخوة قدوماً من إيران ومروراً بالعراق فشواطئ البحر المتوسط. المشروع اللوجستي الإقليمي الإيراني الذي قطع أشواطاً مهمة ليس الوحيد الذي سيلقي ظلالاً كثيفة على المنطقة، فهناك الممر (الروسي الإيراني الهندي) الذي هو شبكة من سكك الحديد والطرق البرية والممرات المائية التي تربط ميناء مومباي الهندي على المحيط الهندي بمدينة سانت بيترسبورغ (لينينغراد) عبر طهران وموسكو، أي يربط المحيط الهندي ببحر البلطيق، واصلاً أوروبا بآسيا. المشروعان معاً يشكلان ثورة في طرق المواصلات ستغير وجه المنطقة.
ثورة المواصلات لن تحيل قناة السويس من ممر مائي دولة إلى بركة لتربية الأسماك فقط، بل تختزل المسافة من أوروبا إلى آسيا من 16,129 كم إلى 6,245 كلم، والزمن بـ 10-12 يوماً على الأقل، والكلفة بـ 20'، منهية بذلك احتكاراً استراتيجياً لطريق المواصلات، وجاعلة الممرات المائية العربية طرقاً التفافية طويلة، ستتراجع أفضليتها الملاحية على المدى المتوسط بحسب توقعات المتخصصين.

الشبكة الاقليمية الايرانية

الجديد في هذا الملف هو الاضطرابات الأمنية المتسارعة في اليمن، وإعلان تنظيم القاعدة ـ مخلب إيران في المنطقة ـ تأييده لانفصال الجنوب اليمني عن صنعاء، ما يعني انتقال السيناريو الصومالي إلى اليمن، وانفلات السواحل اليمنية الطويلة، وتعاظم القرصنة في القرن الإفريقي، وصولاً إلى استحالة الملاحة عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
الصورة تبدو قاتمة لشركات السفن، لكن الوجه المشرق هو تزامن إشتعال حرب الانفصال في اليمن، وتعذر الدخول الآمن إلى البحر الأحمر، مع اقتراب تدشين طريق بديل، أكثر أمناً، وأقصر مسافة، وأقل كلفة، يمتد على طول الجغرافية السياسية الجديدة التي توضع عليها اللمسات الأخيرة (شمال شرق الوطن العربي سابقاً)، هو الشبكة الإقليمية الإيرانية.
الجميع مدعوون بكل صــــدق إلى استخــــدام الشــــبكة الجديدة في الاســتيراد والتصدير، والاستفادة من مرافئها على المتوسط، بما يعود بالنفع على اقتصادياتهم، ولكن لطهران الكلمة الأخيرة. قيل لبيسمارك: أنت موحد المانيا، فأجاب: لا، لست أنا، بل سكك الحديد. وإيران هي الأخرى توحد الجغرافيا التي اكتسبتها من العرب بشبكات سكك الحديد والطاقة.
بتمزق اليمن، وسقوط باب المندب، تكون إيران قد تحكمت بالممرات المائية الدولية الثلاثة في المنطقة: مضيق هرمز، باب المندب، قناة السويس.
السؤال الكبير: حول ماذا تدور مؤتمرات ما يسمى بالأمن العربي المشترك؟ هل سمعنا مسؤولاً عربياً يحذر من هذه التهديدات التي تلتف حول عنق الأمة كالأخطبوط؟ هل رأينا زعيماً عربياً يعيد ترتيب أولوياته، ويعبئ شعبه على أساس هذه المخاطر، بدلاً من الحرب الشبحية ضد ما يسمى بالإرهاب التي استنزفت الطاقات، وكبلت الأيادي، وكممت الأفواه، وشلت مؤسسات المجتمع؟ هل رأينا برنامجاً في فضائية عربية يناقش هذه الملفات الخطيرة بعمق، يغوص إلى جذورها ويتعقب مآلاتها؟ هل هذا طبيعي؟

نورتيني ليجسي