استطلاعات الرأي في الانتخابات النيابية اللبنانية تشير إلى تقارب في الحصص بين الموالاة و المعارضة

في السابع من حزيران المقبل يقترع اللبنانيون على مستقبل بلدهم و موقعه في توازنات المرحلة القادمة. المجلس النيابي الجديد المؤلف من مائة و ثمانية وعشرين نائبا سيكون نتاجا لاتفاق الدوحة في أيار 2008 الذي شكل نقطة فاصلة في تاريخ لبنان ما بعد الطائف. ففي حين أتى الطائف بغطاء أميريكي سوري سعودي ، ليعدل موازين القوى الداخلية في لبنان بعد الحرب الأهلية لصالح الطائفة السنية بإعطائها صلاحيات أكبر عبر رئيس الوزراء ، كانت نتيجة الدوحة الانتقال إلى قانون انتخاب 1960 بما زاد حصة المسيحيين من المقاعد ليتعادل ميزان القوى من جديد بين قرار سياسي مضمون للسنة ، و قوة عسكرية للشيعة فرضت نفسها على الأرض في 7 ايار ,2008 و في حين يضع البعض نتائج الدوحة ضمن منطق تحالف الأقليات (عون - حزب الله) ، يراها البعض الآخر فرضا لتوازن لا يستقيم بلد بمرجعية طائفية تتجاوز المواطنة بدونه. كما يرى البعض الآخر أن هذا التحالف لم يكن ليكتسب مشروعية وطنية على الأرض إلا لأنه جاء استنادا إلى خطاب مقاوم لإسرائيل ما نزع عنه صفة الخطاب الأقلوي في وجه خطاب الاعتدال المغطى أميريكيا لقوى الموالاة.

خريطة التحالفات

في حين خاض اللبنانيون معاركهم الداخلية على مدى السنوات الأربع الماضية في انقسام حاد بين قوى 14 آذار ، و قوى 8 آذار ، هناك مؤشرات لإعادة تموضع جزئي عند بعض قوى الصف الثاني (حجما) في المعسكرين. فعلى جبهة 8 آذار برز خلاف بين عون و بري على لائحة جزين ، يفسره البعض على خلفية تقارب غير معلن بين بري و حليف الأمس وليد جنبلاط ، خاصة و أن بري بدا في السنوات الماضية ملتزما بالحلف مع عون على مضضً.. حلف الأخير مع حزب الله. أما على جبهة 14 آذار ، فلا يخفى الإرباك الذي سببته تصريحات وليد جنبلاط "المسربة" عبر تسجيل هاتف خلوي ضد جعجع و"الانعزاليين الموارنة" من قوى 14 آذار ، و تهكمه على عدم صمود تيار المستقبل أمام حزب الله في بيروت ، في موازاة لتصريحاته عن العروبة و عداء إسرائيل كعنوان للمرحلة القادمة و شبه الاعتذار الذي قدمه لحزب الله في مقابلات تلفزيونية. كل هذه طبعا مواقف حضرت لما بعد الانتخابات ، حرص جنبلاط أن يعلن من بعدها التزامه بالتحالف مع الحريري ، بالتزامن مع توافقه مع خصمه الدرزي المعارض في الجبل طلال ارسلان.

لكن التيارات السياسية و من خلفها الانتخابية الكبرى في البلاد ، تبقى في يد حزب الله و الحريري أصحاب التحالفات الإقليمية غير القابلة للتبديل. و كذلك يبدو عون الباحث عن دور للمسيحيين في الشرق العربي مدركا لضرورة العبور عبر بوابة سورية.

الكتل المسيحية الأصغر تتوزع بين القوات اللبنانية و الكتائب على مقلب 14 آذار ، و المردة (فرنجية) و الطاشناك الأرمني على مقلب 8 آذار. أما الكتلة الوسطية حديثة التسمية التي يترأسها ميشيل المر في منطقة المتن ، فتقف في تحالف انتخابي مع 14 آذار ضد عون. و تتوزع القوى السنية المحلية بين تحالف رؤوس الأموال في طرابلس (ميقاتي - الصفدي - الحريري) 14 آذار ، و بين أسامة سعد في صيدا (التنظيم الشعبي الناصري) 8 آذار. و تنقسم الأحزاب الإسلامية السنية في توازن مشابه بين الكتلتين.

أما الشيوعيون و القوميون السوريون و البعثيون فيبقون في دائرة 8 آذار من موقع معاداتهم للمشروع الأميريكي في المنطقة ، و إن اضطروا للعبور عبر لوائح الأحزاب الطائفية الحليفة لهم. في حين يُلحق حزب اليسار الديمقراطي الأصغر حجما بلوائح تيار المستقبل.

النتائج المرتقبة و التحديات

تشير معظم التوقعات و استطلاعات الرأي إلى تقارب في الحصص بين الموالاة و المعارضة ، مع ترجيح بسيط للمعارضة لا يفي بحصولها على أكثرية الثلثين المطلوبة لتمرير أي قرار ذي وزن ، مما يعني أن القرارات في المرحلة اللاحقة ستكون محكومة بالتوافق و المساومات ، إذا لم يرد أي من الطرفين التعطيل السياسي للبلد. إلا أن المعركة الكبرى في الانتخابات هي على الصوت المسيحي ، أو على الصوت الذي يأتي بالنواب المسيحيين ، ذلك أن الكتلتين السنية و الشيعية قد ضمنتا مواقعهما على رأس الحكومة و في مجلس النواب و على الأرض. ما يعني أن أمام العماد عون ، الممثل لأكثرية المسيحيين ، تحدي الحصول على ما لا يقل عن خمسة و ثلاثين مقعدا حتى يشكل كتلة مسيحية وازنة في المجلس.

و رغم أن المعركة الانتخابية في لبنان تأتي في ظل انفراج نسبي في العلاقات الأقليمية الدولية ، خاصة بين الولايات المتحدة و إيران ، إلا أن توزيع الحصص في زمن المفاوضات يحتاج لأوراق ضاغطة كما في وقت الحرب ، مما يفسر وصف المعركة الانتخابية المقبلة بمعركة كسر العظم ، خاصة و أن الهدنة الأميريكية الإيرانية لا توازيها هدنة إيرانية سعودية. و هو ما يفسر أيضا تدفق المال الانتخابي المنظور و غير المنظور على البلد.

و يبدو اللبنانيون في المغتربات ساحة لا تقل أهمية في التنافس عن المقيمين. فقد كثر الحديث عن تذاكر سفر و أموال تدفع لاستقدامهم من شتى أصقاع الارض ، بحيث حجزت جميع المقاعد على طائرات شركة الشرق الأوسط و غيرها في الأيام القليلة التي تسبق السابع من حزيران.

التوقعات حسب الدوائر

بيروت الأولى: تتوقع معركة حامية تتنافس فيها لائحة المعارضة ممثلة بالتيار الوطني الحر و الطاشناك ، و لائحة الموالاة الممثلة بتيار المستقبل و حلفائه على خمسة مقاعد. و قد وصف الصوت الأرمني ببيضة القبان في هذه الدائرة ، خصوصا مع انقسام الأرمن بين حزب الطاشناك المتحالف مع عون و بعض رجال الدين الأرمن الكاثوليك الذين يدعمون لوائح الحريري.

بيروت الثانية: دائرة شبه محسومة انتخابيا بالتساوي بين مقعدين للموالاة و مقعدين للمعارضة.

بيروت الثالثة: لا ينتظر أن تشهد هذه الدائرة معركة حقيقية ، فهي شبه محسومة بمقاعدها العشرة لتيار المستقبل و لائحته ، أمام لائحة قليلة الحظ لمستقلين في المعارضة ، سمع من بعضهم لوم لحزب الله على ما وصفوه بالتخلي عنهم في هذه الدائرة ضمن توزيع الحصص مع الحريري في الدوحة.

عكار: منطقة محرومة شبه محسومة للموالاة بما لا يقل عن ستة مقاعد من أصل سبعة.

زغرتا: ثلاثة مقاعد شبه محسومة لتيار المردة تقليديا ، يضافون لحصة المعارضة.

بشري: مقعداها شبه محسومين للقوات اللبنانية تقليديا ، يضافان لحصة الموالاة.

طرابلس: ترجيح للائحة الموالاة ممثلة بتحالف رؤو س الأموال السنية: الحريري الصفدي و ميقاتي ، ضد الرئيس عمر كرامي الذي أعلن "اتكاله على الله" في المعركة القادمة. يتوقع أن تحصل الموالاة على ما لا يقل عن خمسة مقاعد من أصل ثمانية ، و تبقى المقاعد الثلاثة الأخرى لترجيح المستقلين.

المنية الضنية: من أصل ثلاثة مقاعد يبدو أحدها محسوما للموالاة و آخر مرجحا للمعارضة و المقعد الثالث في عهدة المستقلين.

البترون: معركة متوازنة بين لائحة التيار الوطني الحر و لائحة الموالاة عن مقعدين مارونيين.

جبيل: لائحة المعارضة ممثلة بالتيار الوطني الحر ، تواجهها لائحة متعثرة التشكيل ل 14 آذار. يتوقع فوز لائحة عون بالمقاعد الثلاثة فيها.

كسروان: يتصدر لائحة المعارضة فيها العماد ميشيل عون ، و في حين لم تعلن باقي اللائحة إلا أن فوز المعارضة بالمقاعد الخمسة لهذه الدائرة يبدو شبه محسوم.

عاليه: لائحة المعارضة تضم بزعامة الدرزي طلال إرسلان ، مرشحَين للتيار الوطني الحر عن اربعة مقاعد من أصل خمسة مقاعد ، حيث ترك إرسلان مقعدا درزيا شاغرا في إطار اتفاق 11 أيار مع جنبلاط ، كما أعلنت الموالاة لائحتها بأربع مرشحين تاركة مقعدا درزيا شاغرا لإرسلان ضمن الاتفاق نفسه. و يرجح ان تحصد الموالاة أربعة مقاعد في حين ضمن إرسلان المقعد الخامس.

الشوف: كتلة الموالاة على رأسها التقدمي الاشتراكي (جنبلاط) مقابل كتلة التيار الوطني الحر عن المعارضة. من شبه المحسوم حصول لائحة الاشتراكي على المقاعد الثمانية عن هذه الدائرة.

الكورة: لائحتان للمعارضة و الموالاة بالإضافة لمستقلين. مع ترجيح مقعد للمعارضة و آخر للموالاة و ثالث يقرره الاقتراع.

بعبدا: لائحة للمعارضة لم يكتمل إعلانها تضم التيار الوطني الحر ، بينما أعلنت لائحة 14 آذار كاملة ، بالإضافة لمرشحين تقليديين استثنتهم لائحة 14 آذار قرروا خوض المعركة مستقلين. و يتوقع حصول المعارضة على كافة المقاعد الستة في هذه الدائرة.

بعلبك الهرمل: و هي دائرة شبه محسومة لحزب الله و المعارضة بمقاعدها العشرة ، مع حفظ مقعد للحزب السوري القومي و آخر للبعثيين و آخر لعون ممثلا برئيس حزب التضامن.

زحلة: و هي تنتظر معركة حامية بين الكتلة الشعبية و التيار الوطني الحر عن المعارضة ، و بين لائحة 14 آذار و لائحة ثالثة مستقلة قد يشكلها الوزير محسن دلول الذي يلاقي دعم نازك الحريري مع استبعاد تيار المستقبل له. و يعتبر الصوت الأرمني حاسما في هذه الدائرة ، مع توقع حصول المعارضة على أربعة مقاعد على الأقل من أصل سبعة.

البقاع الغربي: يرجح تقاسم المقاعد الستة فيها بين الموالاة و المعارضة.

كسروان: خمسة مقاعد مارونية يتوقع أن تكون جميعها من حصة التيار الوطني الحر و المعارضة.

المتن: منطقة أخرى تتوقع معركة حامية. لائحة المعارضة تتألف من تحالف التيار الوطني الحر و القومي السوري الاجتماعي و الطاشناك ، في مواجهة لائحة الإنقاذ المتني التي تمثل تحالف ميشيل المر مع الكتائب و القوات اللبنانية عن قوى 14 آذار ، مما يجعل الصوت الأرمني حاسما مرة أخرى. و يتوقع حصول المعارضة على خمسة مقاعد على الأقل من أصل ثمانية.

جزين: تعثر لائحة المعارضة على خلفية خلاف بين عون و بري على أسماء المرشحين ، مع الحديث عن توافق وشيك بوساطة حزب الله.

صيدا: معركة حامية بين الموالاة ممثلة ببهية الحريري و السنيورة ، في مقابل لائحة المعارضة وعلى رأسها أسامة سعد الذي يرفع راية العمال و الصيادين أمام "أبي الضرائب" كما يسمى السنيورة ، و في حين يبدو مقعد الحريري مضمونا يتنافس أسامة سعد والسنيورة على المقعد الثاني.

الزهراني: يرجح فوز المعارضة بمقاعدها الثلاثة.

مرجعيون و حاصبيا: معركة شبه محسومة لصالح المعارضة.

النبطية: دائرة شبه محسومة لصالح المعارضة ممثلة بحزب الله.

بنت جبيل: دائرة شبه محسومة لصالح المعارضة ممثلة بحزب الله.

ميرسي جانيستا علي المجهود الرائع