ماذا بعد غزة 2009؟:

'بعد الطوفان نلقى الصديق الزين... نتسندوا على بعض بالكتفين...'
صلاح جاهين
لكن اهل قطاع غزة لم يجدوا الصديق الزين، تركوا لمدة 22 يوما لمواجهة اعتى آلات الحرب الشرسة لوحدهم والتضامن العربي لم يتعد الكلام المزخرف والشعارات التقليدية السخيفة والخطابات الرومانسية المضجرة وبعض المظاهرات المصحوبة بالبكاء والعويل والشكوى من قلة الحيلة!
طفلة تقتل احلامها وفلاحة تستهدف وهي تحصد ثمار زرعها وصياد يصاب على قاربه الذي لا يتجاوز المترين وهو يواجه بوارج الاحتلال الحربية في مسافة لامنطقية مفروضة عليه لاتتجاوز ثلاثة اميال. وماذا عن التلميذ الذي تحطمت امنياته والذي يطغى كابوس الواقع على قدراته وطموحه؟ وماذا عن واحد وستين عاما من الابادة الجماعية والقتل الهمجي والاحتلال وهدم المنازل وتوسيع المستعمرات وسرقة الاراضي والعنصرية الواضحة؟
المحرقة لم تنته في غزة. ما حصل ليس فقط تسونامي بل هو ايضا طوفان وزلزال خرج منه اهل القطاع ليعودوا الى حرب الابادة الجماعية البطيئة.
من بعد صيف لبنان 2006، الآن غزة 2009... من شارك في محرقة غزة 2009؟ بعد دولة اسرائيل العنصرية ياتي النظام الرسمي العربي، بما يقوم به من الاستمرار في صمته المتعمد واستمراره في اغلاق معبر رفح.
الاتحاد الاوروبي بعدم ادانته لجرائم الحرب الصهيونيه بل بترسيخه علاقاته الاقتصادية مع اسرئيل مكافأة لها.اما الولايات المتحدة فهي كانت وما زالت الحليف الاحب للدولة الصهيونية الاكثر وفاء.
يعيش سكان القطاع والضفة تحت الاحتلال المباشر ويعانون كبقية الشعوب المستعمرة سابقا من الامبريالية الغربية وترخيص الدم العربي الفلسطيني امام الرجل الابيض الذي يعتقد بأنه ينتمي الى قوم لهم ميزة اعلى شأنا وانسانية منا جميعا، من شعوب ما يسمى بالعالم الثالث حسب معايير الرأسمالية والامبريالية الغربية والاستعمار الحديث.
غزة السجن الجماعي، اهلها تحت عقاب جماعي لخيارهم السياسي الديمقراطي وحصار مفروض لكسر المقاومة والشعب على الخيار المعادي لاتفاقية اوسلو وحق المقاومة بجميع اشكالها. غزة معسكر الاعتقال حيث قتل الفلسطيني هو العنوان الاكبر الذي يذكرنا بمعسكرات الاعتقال النازية كوارسو واوشفيتز. غزة المعزل العرقي او البانتوستان الذي يذكرنا (ولو بوحشية اكبر واكثر) بمعازل جنوب افريقيا تحت احتلال الرجل الابيض ونظـــام التفرقة العنصرية الممارس سابقا.
كلا! لم ينته نظام التفرقة العنصرية او الابارتهايد، فهو يأخذ شكلا مختلفا في فلسطين المحتلة. في اراضي الـ 48' حيث يعيش الفلسطيني العربي في ظل نظام عنصري يحرمه من الكثير من حقوقه المدنية والثقافية والقومية، وفي الضفة التي تتكون من معازل عرقية تفصل ما بينها نقاط التفتيش.
في عام 1960 قامت سلطة الرجل الابيض في جنوب افريقيا باطلاق النار وقتل حوالي 69 مشاركا في مظاهرة لا عنفية، فكانت مجزرة شاربفيل بداية لحملة عالمية لمقاطعة دولة جنوب افريقيا العنصرية مقاطعة ديبلوماسية واقتصادية وثقافية واكاديمية ورياضية. قاطعت الشعوب المنتجات المستوردة من دولة جنوب افريقيا وبعض الدول منعت الاستيراد بشكل قاطع.

شرارة غزة

وها نحن الآن امام مشهد تاريخي: غزة 2009. كلا، لم تذهب دماء الاطفال والآباء والامهات هدرا. غزة 2009 هي بمثابة شرارة في العالم العربي اولا: فلم تعد الشعوب العربية تعول على حكوماتها بل يجب على مؤسسات المجتمع المدني العمل على الضغط على الحكومات: ماذا تفعل الاعلام الاسرائيلية مرفـــــرفة في القـــاهرة وفي عمان؟ لم لا يزال معبر رفح مغلقا في وجه فلسطيــنيي القطاع؟ لماذا تقتحم منتجات نستلة وكوكا كولا وماركس وسبنسر وغيرها وغيرها الأسواق العربية؟
لقد ساهمت حملة المقاطعة العالمية للدولة العنصرية في جنوب افريقيا في اسقاط نظام التفرقة العنصرية وقيام دولة ديمقراطية لجميع سكانها بغض النظر عن الدين والجنس والعرق واللون.

غزة 2009 يجب ان تكون بمثابة شرارة في العالم العربي. ان شعوب ما يسمى بالعالم الثالث ليسوا غلابة كما يصورون وكما يوهمون. ان غزة 2009 يجب أن تكون بداية تحرر العقل العربي في تحديه للعنصريه الامبريالية والاستعمار الحديث والدكتاتورية المحلية. في هذا السياق تأتي اهمية و ضرورة كسر الحصار بأي شكل من الاشكال. وكانت هناك محاولات خلاقة من الشعب ذاته بعد ان قام مليون ونصف المليون سجين داخل اكبر معسكر اعتقال بكسر جدران هذا السجن مرتين ولكن للأسف بدون تفاعل عملي بعيدا عن الشعارات الطنانة لذلك كان لا بد من اتخاذ خطوات عملية من نشطاء فلسطينيين ومتضامنين في خطوة رمزية كبيرة جدا تحدت هذا الحصار ويجب ان يتم البناء عليها بشكل اكبر لتحد واضح لكل من يشارك في هذا الحصارالذي خذل أهل القطاع.
لن تؤدي المحرقة الاخيرة الى اقامة بانتوستان او معزل عرقي على اقل من 22' من ارض فلسطين التاريخية في اطار ما يسمى حل الدولتين العنصري بامتياز.بل يجب ان تؤدي الى انهاء الحديث عن تفاهات العنصرية هذه والبدء بالحديث وبشكل جدي عن البديل الديمقراطي ليس فقط في فلسطين بل والعالم العربي باكمله.
غزة 2009 اعطت زخماً هائلاً لحملة المقاطعة ضد اسرائيل حيث قام عمال دوربان في جنوب افريقيا وبلفتة تاريخية غير مسبوقة برفض تفريغ السفن الاسرائيلية وكذلك فعل بعض عمال الموانئ الاسترالية وتم احتلال العشرات من مباني الجامعات في اوروبا البعض منها متبنيا نداء المقاطعة الثقافية والاكاديمية الصادرر عن حملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية في فلسطين.
كذلك قامت كلية هامبشير في الولايات المتحدة باصدار قرار تاريخي بعدم الاستثمار في بعض الشركات التي تتعامل مع اسرائيل. بالاضافة للنموذج الريادي الذي قامت به فنزويلا وبوليفيا بقطع العلاقات الديبلوماسية كاملة مع دولة اسرائيل العنصرية.
هذا جزء بسيط من الامثلة العظيمة التي قامت بها الحركات المتضامنة ملهمة بالصمود الفلسطيني الاسطوري في قطاع غزة.
وهذا يحتم على كافة القوى الوطنية العربية باجنحتها المختلفة ان تفعّل قرار المقاطعة وفرض سحب الاستثمارات وعدم التطبيع.
القضية الفلسطينية قضية عادلة تتعدى القوميات وليست قضية عربية فقط بل هي قضية كل انسان حر... هي قضية كل شعب محب للحرية والتحرر.
بعد ثلاثة اشهز من الطوفان والعودة للابادة الجماعية البطيئة لا زال أهل غزة الأبطال في انتظار الصديق الزين!

يعطيكي العافية ريم