القومية العربية من الإسلام إلى العلمانية

يخطئ من يظن أن بلورة فكرة القومية العربية جاءت مع سقوط الخلافة العثمانية، صحيح أن الأتراك ارتكبوا أخطاء إستراتيجية وتاريخية جعلت العرب يطالبون بالاستقلال التام عن اسطنبول وبالتالي دخول القوى الاستعمارية على الخط والتنسيق مع بعض القبائل العربية والنخب الثقافية والفكرية التي كانت ترى بضرورة إنشاء دولة عربية كبرى خالصة على طريقة بني أمية.
لكنهم للأسف الشديد لم يدركوا بان هناك أياد خفية لها مصلحة بفصل العرب عن الترك وعن باقي القوميات التي كانت تستظل تحت عباءة الإسلام والعروبة.
لكن كان على العرب ان يأخذوا بعين الاعتبار، على أن ترويج فكرة القومية العربية على منهاج الغرب بتوجه علماني، هو مشروع من البداية محكوم عليه بالفشل والتبعية للخارج.
لان الدعاة والمنظرين للمشروع القومي على الطريقة العلمانية،من أمثال ميشيل عفلق وغيره الذين ساروا على منهاجه... لم يأخذوا بعين الاتعاظ والحكمة لخصوصية المنطقة العربية الثقافية والتراثية، التي ترتكز أساسا حول ميراث ديني وحضاري هام ممتدة أكثر من 1400 سنة، ابتدأت مع بزوغ الرسالة المحمدية التي أخرجت العرب من ظلمات الجهل والبربرية والتشتت والفرقة، والانتقال من مفهوم العصبية والقبلية إلى مفهوم الدولة التي ترعى مصالح جميع القوميات في تناغم تام بين الهوية العربية وبين باقي القوميات التي أطرت بمنهاج إسلامي معتدل على منهاج النبوة، حيث جعلت العروبة لسانا لها وأداة لنشر الرسالة ومن الأحاديث التي تؤكد على ارتباط العروبة بالإسلام.
روى الحاكم في المستدرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب العرب فبحبي أحبهم ومن ابغض العرب فببغضي ابغضهم). عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أحبوا العرب وبقائهم فاءن بقاءهم نور للاسلام وان فناءهم ظلمة للا سلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأ ايها الناس إن الرب واحد وان الأب واحد وان الدين واحد وليس العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي باللسان فمن تكلم بالعربية فهو عربي).
وعلى هدا الأساس يمكن القول بان هذا الارتباط هو عضوي أكثر ماهو رمزي، فالهوية العربية هي التي تؤطر (الوعاء الحاضن) لرسالة الإسلام والعكس صحيح.
فالعلاقة بين العروبة والإسلام تتمثل في عدد من المشتركات والخصائص التاريخية والجغرافية... لايسع المجال لذكرها.
فالقومية بمفهومها القطري الضيق يختلف عن مفهوم القومية بمفهومها الواسع المبني على خلفية إيديولوجية تكون في بوتقة الإسلام الذي احتضن جميع الأعراق والأجناس ولنا في التاريخ عبر... نموذج الأندلس
لذلك يمكن القول بان فشل المشروع القومي في بداية انطلاقه يرجع إلى عدم إدخال الدين كعامل للوحدة والنهوض وليس باقصائه وحصره فقط بين جدران المساجد ومجالس العزاء.

نورتيني ياقمره